07 ديسمبر 2011

البرادعى.. وقناصة «المحور»

بقلم   السفير سيد قاسم المصرى   07 ديسمبر 2011
فى برنامج ٩٠ دقيقة على قناة المحور مساء ٢٨ نوفمبر، خصصت الـ٩٠ دقيقة للهجوم على محمد البرادعى.. كان هناك ضيف فى الاستوديو وآخر على الخط.. فقال أحدهما إن البرادعى عميل أمريكى، فرد الآخر مصححاً ومتوخياً الدقة: لا ليس عميلاً أمريكياً ولكنه تدرب فى المخابرات الأمريكية.. ثم أخذ الاثنان يتبادلان فى إلقاء القاذورات على شخصية البرادعى واتهامه بكل ما ليس فيه، وذلك فى إعادة إنتاج لخطة اغتيال الشخصية التى وضعها نظام مبارك للبرادعى ونفذها الإعلام الرسمى بإتقان.

كانت خطة النظام السابق فى الهجوم الكاسح على شخصية البرادعى تتضمن اتهامه بكل شىء.. بل بالشىء ونقيضه، فانطلقت بعض الأبواق تتهمه بالعمالة لأمريكا، وانطلقت أخرى تتهمه بالتبعية لإيران حتى إن مجلة المصور وضعت صورة مفبركة (فوتوشوب) للبرادعى بملابس آيات الله.. وكتب رئيس تحريرها مقالاً بعنوان «البرادعى آية الله العظمى»، وكتبت أقلام أخرى أنه هو الذى أضاع العراق... إلخ.

ويبدو أن «دار ابن لقمان على حالها».. فما إن اشتد الحنق على البرادعى بعد اعتصامات ميدان التحرير وشارع محمد محمود حتى رأينا إعادة إحياء لمحاولات اغتيال الشخصية الممنهجة فى ثوب قشيب وممثلين جدد.. فدعونا نر إلى أى حد هو عميل لأمريكا وهل وصلت عمالته إلى الدرجة التى حظى بها نظام حسنى مبارك.. الكنز الاستراتيجى لإسرائيل.. الذى علم أن مفاتيح أمريكا فى إسرائيل فخر لها ساجداً؟

ظل البرادعى يتابع هذا البرنامج باحترافية غير منحازة شهد بها مجلس محافظى الوكالة، ورفض الاعتماد على تقارير المخابرات الأمريكية والغربية وقاوم فى ذلك ضغوطاً أمريكية شديدة وأصر على الاستناد فقط إلى تقارير مفتشى الوكالة الرسميين، وقد قال لى السيد على أكبر صالحى، وزير خارجية إيران الحالى، الذى تزاملت معه فى العمل بمنظمة التعاون الإسلامى: «إننا ندعو له فى المساجد».

 أما السيد أمانو، المدير العام الحالى للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أصدر تقريره الأخير فى شهر نوفمبر الماضى مستنداً على تقارير المخابرات الغريبة ومليئاً بالتفسيرات والظنون، وانتهى إلى القول إن هناك أدلة جديدة تشير إلى قيام إيران بأنشطة ذات علاقة بتطوير سلاح نووى.. وإذا دققنا النظر فى التقرير نجد أن أخطر الاتهامات التى تضمنها هو «أنه يبدو أن إيران أجرت محاكاة بالكمبيوتر لتفجير نووى».

كان هذا هو التقرير الذى طال انتظاره حتى تدق أمريكا وإسرائيل طبول الحرب، وحتى تستصرخ إسرائيل العالم بأن يهب لإنقاذها من الفناء والعمل لسرعة عدم تمكين إيران من الوصول إلى القنبلة الذرية.. وكان تعليق وزير الخارجية الإيرانية بليغاً فى الرد غير المباشر على من يتهمون البرادعى بالعمالة لأمريكا.. فقد قال: «إن الوكالة قد فقدت الموضوعية بعد خروج البرادعى منها».

لم يوافق نظام مبارك على ترشيح البرادعى لمنصب مدير الوكالة بالرغم من أن تقديرات وزارة الخارجية (وقد كنت مساعداً للوزير لشؤون الأمم المتحدة فى ذلك الوقت ومسؤولاً عن هذا الملف) كانت تشير إلى أن التأييد له جارف وأن فوزه مؤكد ومع ذلك لم ترشحه مصر مبارك، بل رشحته جميع الدول الأفريقية الأعضاء بالوكالة عدا مصر!!

أما الولايات المتحدة فقد أيدته فى البداية - تماماً كما فعلت مع ترشيح الدكتور بطرس غالى لمنصب أمين عام الأمم المتحدة ثم انقلبت عليه عندما وجدته يأخذ خطاً مستقلاً.

إن تقرير محمد البرادعى حول البرنامج النووى العراقى الذى ألقاه أمام مجلس الأمن فى أوائل عام ٢٠٠٣ الذى يجادلون فيه بغير الحق هو من أبرز النقاط المضيئة فى تاريخه المهنى، فهو الذى حرم الولايات المتحدة من الحصول على قرار صريح من مجلس الأمن لغزو العراق..

واضطرت إلى اللجوء إلى تحالف عالمى خارج إطار الأمم المتحدة، فقد قال البرادعى ما معناه: «لم أجد حتى تاريخه أى أدلة على وجود أنشطة نووية بالعراق وأرجوكم أعطونى ثلاثة أشهر حتى أنجز المهمة.. ثلاثة أشهر نستثمرها فى السلام» ولم يستطع جورج بوش أن ينتظر ثلاثة أشهر وبدأ حربه على العراق دون غطاء الأمم المتحدة الذى كان يسعى إليه، والذى كان يستطيع الحصول عليه بسهولة لو كان على رأس الوكالة شخص مثل المدير الحالى يوكيا أمانو.

وقد اختتم البرنامج التليفزيونى الذى خصص للهجوم على البرادعى فى غيبته بأن قال أحدهما إن البرادعى عضو بمؤسسة الملياردير اليهودى جورج سورس الذى تسبب فى الأزمة الاقتصادية التى حلت بالنمور الآسيوية.. انظر أيها القارئ كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا.. وكيف يشوهون الحقائق ويفترون الكذب الصريح.. وحقيقة الأمر أن البرادعى عضو مجلس أمناء منظمة عالمية غير حكومية تسمى «مجموعة الأزمات الدولية» International Crisis Group.

ويضم مجلس أمناء المنظمة ٤٥ عضواً.. وسورس واحد منهم، كما أنها تضم كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، ويوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا السابق الشهير، الذى ينتمى لحزب الخضر والذى صرخ فى وجه دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكى، أمام الكاميرات قبيل حرب العراق Sorry I am not convinced..

آسف أنا لم أقتنع، فى إشارة إلى رفض مبررات أمريكا بغزو العراق، كما يضم المجلس شخصيات مثل الأخضر الإبراهيمى، وزير خارجية الجزائر الأسبق، مبعوث السلام فى كثير من مناطق العالم، وخافيير سولانا، مسؤول الشؤون الخارجية السابق فى الاتحاد الأوروبى.. كما ترأس المنظمة كمدير تنفيذى لها شخصية عالمية لها تاريخها المشرف فى مجال حقوق الإنسان، وقد عرفتها عن قرب عندما كنت عضواً بلجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وهى السيدة لويز أربور، التى كانت تشغل منصب المفوض السامى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة.

وتختص هذه المنظمة، أى مجموعة الأزمات الدولية بالنزاعات العالمية وتمولها ٣٥ دولة و٢٠ منظمة غير حكومية.. ولها أفرع فى كثير من دول العالم من بينها مصر.. فكيف بالله عليكم تسمونها مؤسسة «سورس» فيا أيها المتحدثون فى التوك شو.. سواء نيابة عن أنفسكم أو عن آخرين.. اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً.. واتقوا الله فى أنفسكم وفى بلدكم ورجالها الشرفاء، واخشوا يوماً لا يكب الناس فيه على وجوههم فى جهنم إلا حصائد ألسنتهم.

* مساعد وزير الخارجية سابقاً
المصدر: المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق