مقالات

ارشيف مقالات:
- علاء الأسوانى
- ماذا يريد محمد البرادعى..؟! (2012)"المصري اليوم"
- الحرباء تهاجم البرادعى (ديسمبر2009) "الشروق" المصرية
- لماذا نذهب لاستقبال البرادعى (فبراير 2010) "الشروق" المصرية 
- البرادعي غير مهتم بالرئاسة (نوفمبر2011) "الدستور"
- ماذا ينتظر المصريون من البرادعى (مارس2010) "الشروق" المصرية
- الحكام العرب أشقاء فى قمع البرادعى (يونيو2010"الشروق" المصرية  
- بلال فضل
 - البرادعي أفضل من يحكم مصر (2010) "محيط" 
- سأنتخب علي بدرخان نقيبًا للسينمائيين.. ومحمد البرادعي رئيسًا للجمهورية(2010) "الدستور"  
- «البرادعي» قادر على إنقاذ مصر.. وركوب الأتوبيس ليس شرطا في الرئيس "الدستور" 2010
- وائل قنديل
- كيان البرادعى (2012"الشروق" المصرية-  الطامعون فى تركة البرادعى (2012"الشروق" المصرية
-  (محرقة) البرادعى و(ملعبة) الدستور (2012 "الدستور"
- الحرب الثانية ضد البرادعى (نوفمبر2011"الشروق" المصرية
- شكرا محمد البرادعى (2010) "الشروق" المصرية  
- البرادعى الوحيد القادر على احباط مشروع التوريث(2010) "الشروق"
- الوجه الآخر للبرادعى (2010) "انقاذ مصر" 
- ضغينة الدكتور البرادعي (2009) "الرؤية الكويتيه"
- فهمى هويدى
- البرادعى محظورًا (2010) "الشروق" المصرية 
- عن استقبال البرادعى: انكشفت أزمة السياسة فى مصر (2010) "الشروق" المصرية
- سلامه أحمد سلامه
- البرادعى بين المطرقة والسندان (2010) "الشروق" المصرية 
- البرادعى فى عين العاصفة (2009) "الشروق" المصرية
- د. سمير عزوز
- فاصل من العمليات القذرة للتشهير بالبرادعي (2010) "محيط"
- التهديد فضائيا باعتقال البرادعي (2010) "القدس العربي"
- البرادعي.. والذين يبغونها عوجاً (2010)"مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية" 
- تحية للبرادعى
- د. سمير فريد
- البرادعى الذى بشر بثورة التغيير وأسامة الذى استقال فى ذروة الجبروت(2011)"المصري اليوم"
- سيد قاسم
- محمد البرادعى .. إن كنت تفكر.. فأنت مخطئ! (2009) "الشروق" المصرية
- البرادعى.. وطائر النورس (2010) "مصر الجديدة" 
 - جلال عامر
- حديث بين السيد الرئيس والبرادعي !!! (2010) "منتديات المطاريد"  
- بعد أن يموت البرادعى (2010)"المصري اليوم"
- د.عمار على حسن
- خطة «حرق البرادعى» (2010)"المصري اليوم"
- بيت البرادعى  (2010) "مصر الجديدة"
- د.منار الشوربجى
- زخم البرادعى وآفاق التغيير (2010)"المصري اليوم"  
- المستشار محمود الخضيرى
- البرادعى والتغيير (2010)"المصري اليوم"
- د. عمرو الشوبكى
- عودة البرادعى (2009)"المصري اليوم"
- صوت البرادعى (2012)"المصري اليوم"
- عمر طاهر

- لف وارجع تانى (2012) "الدستور" 
- د.عز الدين شكرى فشير
- هوّ فاكر نفسه مين؟ (2012)"المصري اليوم"
- أيمن نور
- رؤساء جمهورية الضمير (2012)"اليوم السابع"
- خالد السرجاني
- البرادعى.. ضميرنا(2012)"المصري اليوم"
- محمد المخزنجي
- عودة للضمير (2012) "الشروق" المصرية
----

- علاء الأسوانى
- ماذا يريد محمد البرادعى..؟!(2010)"المصري اليوم"
عزيزى القارئ.. هل لديك ابن فى الصف السادس الابتدائى؟! من فضلك خذ منه كتاب الدراسات الاجتماعية واقرأ بدءا من صفحة رقم 101.. ستجد موضوعا كبيرا من عدة صفحات، مدعما بالصور، يستعرض ما يسمى إنجازات حسنى مبارك خلال ثلاثين عاما.. الدرس يستعمل تعبير «الرئيس مبارك» (لا السابق ولا المخلوع)، وبعد أن يستعرض أعماله فى السياسة الخارجية والاقتصاد والتضامن الاجتماعى، يكتفى الدرس بالإشارة إلى الثورة المصرية بجملة واحدة فيقول: «على أن كل هذه المحاولات من الرئيس مبارك لم تكن كافية لإرضاء الشعب فقام بثورة لتغيير النظام»..

 هذا ما يتعلمه أولادنا عن حسنى مبارك والثورة، استعراض كامل لإنجازاته الوهمية ولا كلمة واحدة عن جرائمه الرهيبة فى حق المصريين، وفى النهاية، جملة مقتضبة غامضة مشوشة عن الثورة.. كيف يفكر التلميذ عندما يحفظ عن ظهر قلب إنجازات مبارك المزعومة ثم يرى صورته أثناء محاكمته وهو مستلق على فراشه فى قفص الاتهام؟!.. لاشك أن التلميذ سيعتبر مبارك عظيما ومظلوما وسوف يكره الثورة التى أطاحت به.. هذا مجرد نموذج للأكاذيب التى تشوه بها وزارة التعليم وعى تلاميذ مصر، ولقد رأينا مؤخرا أكثر من موضوع فى امتحانات المدارس يتهم الثوار بأنهم مفسدون، ويتهم الحركات الوطنية الثورية، مثل «كفاية» و«6 أبريل» بأنهم عملاء ممولون من الخارج..

هذه الموضوعات الكاذبة المضللة لا تعكس تصرفات شخصية، وإنما هى سياسة عامة لوزارة التعليم التى تضم ماكينة بيروقراطية عتيدة لوضع المناهج والامتحانات، والمسؤولون فيها لا يمكن أن يقرروا موضوعا سياسيا إلا بعد استشارة الرؤساء الذين يتلقون الاتجاه السياسى المطلوب من أعلى مسؤول سياسى يستطيعون الوصول إليه.. المقررات الدراسية الموالية لمبارك والمعادية للثورة هى واحدة ضمن ظواهر أخرى كثيرة تؤكد أن نظام مبارك مازال يحكم مصر.. بعد أيام، يكتمل عام كامل على قيام الثورة المصرية، فماذا حققت من أهدافها؟

أولا: فى كل بلاد العالم، إذا نجحت الثورة فى إسقاط نظام الحكم يسقط الدستور القديم تلقائيا، ثم يتم انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد يعبر عن الثورة ويحقق أهدافها.. أما فى مصر، فقد رفض المجلس العسكرى كتابة دستور جديد، واستعاد اقتراح حسنى مبارك بتعديل محدود فى الدستور القديم، ثم أجرى الاستفتاء وبعد ذلك ألغيت عمليا نتيجة الاستفتاء وأصدر دستورا مؤقتا من 63 مادة، فرضه على الشعب من غير أن يستشيره . لقد أضاع المجلس العسكرى على مصر فرصة كتابة الدستور بطريقة سليمة فى أعقاب الثورة، ولو أننا فعلنا ذلك لكنا الآن نعيش الديمقراطية الصحيحة.

ثانيا: قامت الثورة من أجل استعادة كرامة المصريين، وطالبت بإغلاق جهاز أمن الدولة الذى تحول إلى سلخانة بشرية، تم فيها تعذيب آلاف المصريين وانتهاك آدميتهم، لكن المجلس العسكرى أصر على بقاء جهاز أمن الدولة واكتفى بتغيير اسمه إلى الأمن الوطنى.. طالبت الثورة بتطهير الشرطة من القيادات التابعة لنظام مبارك، وطالبت بمحاكمات جدية لقتلة الشهداء، لكن المجلس العسكرى أبقى جهاز الشرطة كما هو، بل إن الضباط الذين قتلوا المتظاهرين، حتى بعد تقديمهم لمحاكمات بطيئة لا تنتهى أبدا، احتفظوا بمناصبهم، وكثيرون منهم حصلوا على ترقيات.

كما أن المجلس العسكرى وقف لا مباليا أمام حالة الانفلات الأمنى الناتجة عن تقاعس الشرطة المدنية عن أداء واجبها.. من عجبٍ أن الشرطة العسكرية التى تقمع المتظاهرين بوحشية لا تحرك ساكنا وهى ترى بضعة مواطنين يقطعون خط السكة الحديد لمدد قد تتراوح بين يومين وأسبوعين (كما حدث فى قنا) وكأن المجلس العسكرى يعمل على زيادة معاناة المواطنين بعد الثورة حتى تترسخ كراهيتهم لها.

ثالثا: استبقى المجلس العسكرى معظم كبار المسؤولين الذين ينتمون إلى نظام مبارك عملا وفكرا، وها نحن نرى الأداء نفسه والفكر نفسه. الدكتور الجنزورى، رئيس الوزراء، يتعهد بحماية المعتصمين فى مجلس الوزراء، وعندما يتم قتلهم وسحل البنات وهتك أعراضهن لا يستشعر الجنزورى أى حرج من تعهده الكاذب.. ثم هو يتحدث عن أزمة اقتصادية خطيرة تهدد مصر، وفى الأسبوع نفسه نكتشف أن محافظ البنك المركزى احتفظ بمبلغ 55 مليار جنيه باسم حسنى مبارك بعيدا عن ميزانية الدولة. المهازل نفسها التى كانت تحدث أيام مبارك وكأن ثورة لم تقم فى مصر.

رابعا: معظم القضاة فى مصر مستقلون من وحى ضمائرهم، إلا أن النظام القضائى نفسه غير مستقل، لأن القضاة تابعون لإدارة التفتيش القضائى التى يعين رئيسها وزير العدل المعين من الرئيس.. طالبت الثورة باستقلال القضاء وتطهيره من القضاة الذين أشرفوا على تزوير الانتخابات، لكن المجلس العسكرى احتفظ بالقضاة المزورين، وقام بتعطيل قانون استقلال القضاء، وها نحن نرى العواقب: خلال ثلاث مذابح متعاقبة، تم قتل 84 شهيدا من المتظاهرين دهسا بالمدرعات وباستعمال الغازات والرصاص الحى، غير آلاف المصابين والعشرات الذين فقدوا عيونهم، وعشرات من بنات مصر اللاتى تم سحلهن وهتك أعراضهن. حتى الآن، لم تجر أى محاكمة جدية لأفراد الأمن والجيش الذين ارتكبوا هذه الجرائم.. بالعكس.. تم القبض على الشاب الثورى «أحمد دومة» وحبسه، وتم استدعاء الثوريين للزج بهم فى قضايا وهمية، فقد وجهت النيابة إلى الكاتبة «نوارة نجم» تهمة «إيهام الرأى العام بأن الفساد مازال موجودا».. وهذه تهمة لا أعرف من أين جاءوا بها، فهى خارج نصوص القانون تماما.. لقد صدر قرار بمنع الناشطين الثوريين «ممدوح حمزة» و«أيمن نور» من السفر، بينما السيد «عمر سليمان»، الرجل الثانى فى نظام مبارك، يسافر بحرية على طائرات خاصة ويجتمع بملوك ورؤساء الدول.

خامسا: أجرى المجلس العسكرى انتخابات غير عادلة، أراد بها أن يمنح أغلبية مقاعد البرلمان لجماعات الإسلام السياسى، فسمح لهم بتكوين أحزاب دينية «فى مخالفة صريحة للمادة الرابعة من الإعلان الدستورى الذى وضعه المجلس العسكرى بنفسه»، وشكّل المجلس العسكرى لجنة عليا للانتخابات غضت الطرف عن كل أنواع التجاوزات الانتخابية والسياسية للأحزاب الدينية، بدءا من الدعاية السياسية فى الجوامع، إلى شراء الأصوات، إلى التأثير على الناخبين داخل اللجان وأمامها إلى ملايين الجنيهات التى أنفقها الإخوان والسلفيون دون أى رقابة على تمويلهم من المجلس العسكرى الذى انحصرت رقابته على الناشطين الذين ينتقدون سياساته، مثل الجمعيات الحقوقية و«حركة 6 أبريل»، التى اتهمها المجلس بتلقى أموال من الخارج، ثم عجز تماما عن إثبات اتهاماته لها.. لست ضد المنتمين للإسلام السياسى، فهم مصريون وطنيون، لهم كامل الاحترام، لكن الحق يجب أن يقال: سوف يفصل القضاء إن كانت هذه الانتخابات مزورة أم لا، لكنها فى كل الأحوال لم تكن انتخابات عادلة.

... إن الثورة المصرية بعد عام كامل لم تحقق أى هدف من أهدافها باستثناء محاكمة مبارك التى تحيط بها الشكوك. لقد قام المجلس العسكرى بتحويل الثورة إلى انقلاب، بدلا من التغيير الشامل الذى يمهد لإقامة الدولة الديمقراطية، اكتفى المجلس العسكرى بتغيير شخص الحاكم. إننا نكتشف الآن أننا استبدلنا سلطة مستبدة بسلطة مستبدة أخرى.. كل شىء فى مصر يتم بإرادة المجلس العسكرى وحده، وإذا مضت الأمور على نفس المنوال سيكون لدينا رئيس منتخب بإرادة المجلس العسكرى الذى سيتولى توجيهه من وراء الستار.. هذه تفاصيل المشهد التى جعلت الدكتور محمد البرادعى يعلن انسحابه من الترشح لرئاسة الجمهورية.

إن موقف البرادعى يحمل معانى عديدة، أهمها أن البرادعى رجل شريف وأمين، كما أن إخلاصه للثورة يفوق بكثير رغبته فى أى منصب. لقد تعفف البرادعى ورفض أن يساوم على مبادئه، ورفض أن يعقد الصفقات من أجل الوصول إلى السلطة ولو على جثث الشهداء، كما فعل آخرون.. لقد رفض البرادعى أن يخدعنا بأن يمثل دور مرشح الرئاسة فى ديمقراطية كاذبة ومزيفة.

هل يتصور أحد أنه فى ظل الظروف الحالية يمكن لأى مرشح أن يفوز بالرئاسة دون أن ينال رضا المجلس العسكرى..؟! الإجابة لا قاطعة.. كيف نتوقع انتخابات نزيهة لرئاسة الجمهورية فى ظل أجهزة الأمن القمعية التى تشن حربا بلا هوادة على المعارضين، فتخطفهم وتعذبهم وتحرك عشرات الألوف من البلطجية يظهرون وقت اللزوم فيرتكبون ما شاءوا من جرائم ولا يحاسبهم أحد.. كيف نتوقع انتخابات رئاسية محترمة فى ظل قضاء غير مستقل ولجنة عليا للانتخابات لا تفعل شيئا لوقف التجاوزات الانتخابية، وإعلام فاسد مضلل تعوّد على تلقى توجيهات الأمن وتشويه سمعة المعارضين للسلطة.. كيف نتوقع انتخابات محترمة مع وجود قيادات الشرطة التابعة لمبارك والشرطة العسكرية التى تعدى جنودها بالضرب على عشرات القضاة فى الانتخابات الأخيرة عندما أصروا على اصطحاب الصناديق بأنفسهم؟!

.. الرسالة التى يريد البرادعى إبلاغها للشعب واضحة: إننا لا يمكن أن نصنع تغييرا حقيقيا بالأدوات القديمة نفسها.. لا يمكن أن نبنى ديمقراطية حقيقية فى ظل نظام مبارك الذى مازال يحكم.. لا يمكن أن نشيد الدولة الحديثة قبل أن نزيل النظام القديم بكل فساده. لقد نجحت الثورة المصرية فى الإطاحة بحسنى مبارك، لكن المجلس العسكرى حاد بها عن الطريق ومشى بها عكس الاتجاه الصحيح واحتفظ بنظام مبارك كما هو فى السلطة.. إن واجبنا جميعا أن نتشبث بتحقيق أهداف الثورة..

ستظل الشرعية الوحيدة فى مصر هى شرعية الثورة حتى تحقق أهدافها جميعا، أما البرلمان المقبل - بالرغم من تحفظاتنا عليه - فإنه يظل فى النهاية الهيئة الوحيدة التى انتخبها المصريون، وبالتالى فإن المصلحة الوطنية - فى رأيى - تفرض علينا قبول البرلمان، لكن شرعيته سيحددها أداؤه. إذا حقق البرلمان أهداف الثورة سيكون برلمانا شرعيا، أما إذا دخل فى صفقات وتحالفات تضر بالثورة وتبدد حقوق المصريين فسيكون عندئذ فاقدا للشرعية..

من هنا، فإن واجبنا جميعا أن ننزل فى يوم 25 يناير فى مظاهرات سلمية لنؤكد أن الثورة مستمرة. أتمنى أن ينزل ملايين المصريين فى كل محافظات مصر إلى الشوارع، ليعلنوا بوضوح أن الثورة التى صنعوها بدمائهم ودفعوا حياتهم وعيونهم ثمنا لها، لن تفشل أبدا ولن تحيد عن أهدافها أبدا.. الثورة هى الحقيقة وكل ما عداها كذب باطل.. الثورة هى المستقبل وكل من يعاديها ينتمى إلى الماضى.. ستنتصر الثورة بإذن الله لتبدأ مصر المستقبل.

 ----
- علاء الأسوانى
- الحرباء تهاجم البرادعى (ديسمبر2009) "الشروق" المصرية

بدأت الحكاية بطريقة عادية:
كلب في الشارع هاجم أحد المارة فعضه وجرح إصبعه.. صرخ الرجل من شدة الألم فتجمهر الناس حوله، وتصادف مرور رجل الشرطة الذي حقق في الواقعة وقرر أن يقبض على صاحب الكلب ويقدمه الى المحاكمة بتهمة إطلاق كلبه بدون كمامة وتعريض حياة المواطنين الى الخطر، سأل الشرطي عن صاحب الكلب فأجابه أحد الواقفين:
ـ انه كلب مملوك للجنرال (حاكم المدينة)...
هنا... بدا الارتباك على الشرطي وسرعان ما تغير موقفه من النقيض الى النقيض، بدلاً من القبض على صاحب الكلب توجه الشرطي الى المجني عليه، المصاب، وراح يوبخه بصوت عال قائلاً:
ـ اسمع... إن كلب صاحب السعادة الجنرال، مخلوق رقيق في غاية الذوق والأدب... أنت الذي استفززته، أنت الذي نفخت دخان سيجارتك في وجهه الكريم مما اضطر الكلب المسكين الى عض إصبعك دفاعاً عن نفسه... سوف أقبض عليك بتهمة استفزاز الكلب...
هذا ملخص قصة رائعة للكاتب الروسي الكبير انطون تشيكوف (1860 _ 1904) كتبها بعنوان «الحرباء»... والمعنى وراء القصة، أن بعض الناس من أجل مصالحهم الضيقة الصغيرة، يتلونون كالحرباء فيغيرون مواقفهم بلا خجل من النقيض الى النقيض...
تذكرت هذه القصة وأنا أتابع الحملة الضارية التى يشنها كتبة النظام هذه الأيام على الدكتور محمد البرادعي، فقد ظل هذا الرجل لسنوات محل الحفاوة الرسمية، حتى أن الدولة المصرية أنعمت عليه بقلادة النيل وهي أرفع وسام في مصر... وكان كتبة النظام آنذاك يتنافسون في ذكر مزاياه وإنجازاته (وكلها حقيقية) ولكن ما أن ارتفعت أصوات المصريين تطالب البرادعي بالترشح لرئاسة الجمهورية حتى انقلب كتبة النظام، مثل الشرطي في قصة تشيكوف، من النقيض الى النقيض... فأمطروا الدكتور البرادعي باللعنات وحاولوا أن يقللوا من شأنه وأن يلصقوا به كل ما يسيء إليه... وبغض النظر عن سقوطهم المهني والأخلاقي، فإن ذعر كتبة النظام المصري من محمد البرادعي يرجع الى الأسباب التالية:
أولاً: من الصعب أن يجد المصريون الآن مرشحاً لرئاسة مصر أفضل من الدكتور محمد البرادعي... فهو حاصل على درجة رفيعة من التعليم (دكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك) ولديه من الخبرة الدولية والسياسية ما لم يكن متوفراً عند الرئيس مبارك نفسه عندما تولى الحكم. وهو يتمتع بعلاقات دولية واسعة واحترام في العالم كله... وهو حاصل على جوائز دولية عديدة كبرى بالإضافة الى جائزة نوبل للسلام... الأهم من ذلك كله أن البرادعي لم يعتمد في نجاحه الكبير على وساطة أو قرابة وإنما أثبت نفسه باجتهاده ونبوغه وإخلاصه في العمل. الأمر الذي يجعله قدوة حقيقية لملايين الشبان في مصر.
ثانياً: أثبت البرادعي في مواقفه جميعا، أنه يقول ما يعتقده ويفعل ما يقوله... وقد وقف وحده ضد الضغوط الأميركية الهائلة وأصدر تقريراً عام 2003 أكد فيه أمام مجلس الأمن أن الوكالة الدولية للطاقة النووية التى يرأسها لم تجد في العراق أثراً لأسلحة الدمار الشامل مما نزع غطاء الشرعية عن العدوان الأميركي على العراق، وقد أثار فضيحة أخرى للولايات المتحدة عندما تساءل عن مصير 377 طناً من المتفجرات اختفت من العراق بعد الاحتلال الأميركي، ثم اتخذ بعد ذلك نفس الموقف الأمين الشجاع ضد الحرب على إيران... كل ذلك جعل الإدارة الأميركية تعارض بشدة إعادة ترشيحه لمنصبه عام 2005، أما إسرائيل فهي تتهمه علانية بموالاة الدول العربية والإسلامية...
ثالثاً: بعد أن وصل البرادعي الى قمة إنجازه المهني، كان بمقدوره أن يخلد الى تقاعد مريح ويعيش معززاً مكرماً في مصر أو خارجها... كان بمقدوره أن يجامل الرئيس مبارك ببضع كلمات كما يفعل كثيرون سواه.. عندئذ كان النظام سيحبه ويقربه وقد يمنحه منصباً رفيعاً في الدولة.. لكن البرادعي أثبت أن حبه لبلاده وإخلاصه لمبادئه، أكبر من أية حسابات ومن أية مصالح.. وقد سمعت من شهود عيان كيف التقى البرادعي بمسؤولين كبار في النظام المصري فلم يتردد في إخبارهم برأيه في أدائهم البائس واستيائه البالغ من الحضيض الذي انحدرت إليه الأوضاع في بلادنا. وقد أدى هذا الموقف الى استبعاده بعد ذلك من لقاء كبار المسؤولين.. هذه الأمانة الأخلاقية تضع اسم البرادعي قبل رجال كثيرين في مصر، لا يجرؤون أبداً على معارضة الرئيس مبارك أو أحد من أسرته (حتى فيما يخص كرة القدم) . إن ابتعاد البرادعي عن أي منصب رسمي في مصر لمدة عشرين عاماً، يضيف الكثير الى رصيده، فهو لم يشترك في الفساد ولم تتلوث يداه بالمال الحرام ولم يشارك في تضليل المصريين وتزوير إرادتهم وقمعهم، ولم ينافق ولم يسكت عن الحق.. وهو بالرغم من حياته خارج مصر لم ينفصل عنها يوماً، وهو يتابع ما يحدث للمصريين ويحس بمعاناتهم ومشاكلهم، ويكفي أن نعلم أن نصيب البرادعي من جائزة نوبل هو مبلغ كبير يزيد عن خمسة ملايين جنيه مصري.. قد تبرع به بالكامل لصالح رعاية الأيتام في مصر.
رابعاً: شيء ما في شخصية الدكتور محمد البرادعي يجعله مقبولاً عند المصريين.. مزيج من التواضع والهدوء والتفكير المنطقي والثقة بالنفس والاعتزاز بالكرامة.. إن البرادعي يحقق في أذهان المصريين صورة الأب التى كانت سبباً في حبهم لزعمائهم الكبار: سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر.
خامساً: ظهور البرادعي في المشهد السياسي قد دق المسمار الأخير في مشروع توريث الحكم من الرئيس مبارك الى ولده جمال.. فقد اعتمد مشروع التوريث على فكرتين تم الترويج لهما بلا توقف على مدى أعوام .. الفكرة الأولى أنه لا بديل لجمال مبارك كرئيس لمصر.. وها هو البرادعي يثبت وجود بدائل أفضل بكثير، بل إن المقارنة بين جمال مبارك ومحمد البرادعي من حيث الخبرة والكفاءة لا تجوز أساساً. والفكرة الثانية التى دأب النظام على تقديمها للدول الغربية.. أن هناك في مصر اختيارين لا ثالث لهما: إما نظام مبارك أو الإخوان المسلمون.. وقد أثبت البرادعي أيضا تهافت هذه الفكرة.. فها هو رجل يحظى بحب وتقدير المصريين وهو أبعد ما يكون عن النظام وأبعد ما يكون أيضاً عن الإخوان المسلمين.
سادساً: لن يكون محمد البرادعي ضحية سهلة لمؤامرات النظام المصري المعتادة.. لن يستطيع النظام أن يلفق للبرادعي قضية تزوير أو فضيحة نسائية، ولن يستطيع أن يلقي به في السجن بتهمة تشويه سمعة مصر وإثارة البلبلة... كل هذه الأساليب المنحطة استعملها النظام المصري كثيراً من قبل للتخلص من معارضيه لكنها لا تنفع مع البرادعي الذي تسبقه سمعته النظيفة ويحميه التقدير الدولي الواسع الذي يتمتع به.
أخيراً ..كما يشخص الطبيب الماهر أخطر الأمراض بكلمات قليلة.. استطاع الدكتور البرادعي أن يضع يده على مواطن الخلل في النظام الاستبدادي الجاثم على أنفاسنا.. إن الشروط التى طالب بها البرادعي من أجل انتخابات رئاسية نزيهة ومحترمة هي بالضبط الخطوات التى يجب أن تقطعها بلادنا من أجل ديموقراطية سليمة.. لقد أكد البرادعي أنه لا يقبل أن يكون «كومبارس» في مسرحية انتخابات مزورة وأعلن أنه سيشترك مع المصريين في نضالهم من أجل العدل والحرية. إن ظهور البرادعي فرصة كبرى للوطنيين المصريين جميعاً يجب ألا تضيع. يجب أن ننضم الى الدكتور محمد البرادعي في دفاعه عن حقوق المصريين المهدورة.. سوف يصل الدكتور البرادعي الى مصر يوم 15 كانون الثاني المقبل بإذن الله.. واجبنا جميعاً أن نستقبل هذا الرجل العظيم بما يستحق من الحفاوة والتقدير .. نريد أن نثبت له أن رسالته النبيلة قد وصلتنا وأننا نحبه ونحترمه وسوف نبذل قصارى جهدنا معه حتى تنهض مصر وتصل الى المكانة التى تستحقها.
الديموقراطية هي الحل...

----

- علاء الأسوانى
- لماذا نذهب لاستقبال البرادعى (فبراير 2010) "الشروق" المصرية
 يوم الجمعة المقبل الموافق 19 فبراير، فى تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، سوف تصل طائرة الخطوط الجوية النمساوية فى الرحلة رقم 863 القادمة من فيينا، لتبدأ عندئذ صفحة جديدة من نضال المصريين من أجل انتزاع حقهم فى العدل والحرية..

هذه الطائرة ستحمل إلى مصر واحدا من كبار أبنائها، الدكتور محمد البرادعى أستاذ القانون الدولى والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.. الذى ظهر فجأة على المسرح السياسى فى مصر مطالبا بالإصلاح الديمقراطى فانتزع إعجاب المصريين واحترامهم.

الظاهرة الفريدة حقا، هى ذلك الحماس البالغ لتأييد البرادعى بين أوساط الشباب، الذين شكلوا مجموعات عديدة لدعمه وبدأوا حملة فى مختلف محافظات مصر لجمع توكيلات رسمية وشعبية للبرادعى من أجل تغيير الدستور وهذه سابقة لم تحدث فى مصر منذ ثورة 1919.

وقد بذل هؤلاء الشبان جهدا كبيرا من أجل دعوة المصريين لاستقبال البرادعى فى المطار يوم الجمعة المقبل. وأنا واثق من أن آلاف المصريين سوف يذهبون لاستقباله كما أثق أيضا فى أن أجهزة الأمن ستسعى جاهدة إلى إجهاض هذا الاستقبال الشعبى.. فى كل الأحوال، لم يعد هناك شك، أن الدكتور محمد البرادعى قد أصبح الظاهرة السياسية الأهم فى مصر الآن.. ولعله من المفيد أن نفهم الأسباب:

أولا: يعيش ملايين المصريين فى مستنقع الفقر والمرض والبطالة ويكافحون لمجرد البقاء على قيد الحياة فى ظروف غير إنسانية وفى نفس الوقت تتمتع النخبة الحاكمة بكل شىء: الثروة والنفوذ والامتيازات وحماية القانون. فى ظل هذا الظلم الفاحش، تعود النظام المصرى على أن يلقى باللائمة على المصريين فى كل فشل يلحق بسياساته..

والأمثلة على ذلك بلا حصر.. فنحن المصريين فى نظر حكامنا، شعب كسول جاهل يتناسل بلا سبب ولا يعمل ويسىء استعمال كل شىء بدءا من صوته الانتخابي وصولا إلى الدعم والكهرباء والمياه.. فى ظل هذا التحقير المستمر، فإن ظهور شخصيات مصرية ناجحة حققت انجازات دولية كبرى مثل محمد البرادعى وأحمد زويل ومجدى يعقوب. يؤكد للمصريين ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم..

ويبين بوضوح أن أزمة مصر لا ترجع إلى عيوب فى طبيعة المصريين أو سلوكهم وإنما إلى سياسات فاشلة وفاسدة من النظام الجاثم على صدر مصر بالقمع والتزوير.

ثانيا: يتمتع الدكتور محمد البرادعى بمجموعة من الصفات المؤثرة التى صنعت شعبيته: فهو حاصل على درجة رفيعة من التعليم (دكتوراه فى القانون الدولى من جامعة نيويورك عام 1974) وقد حصل بمجهوده وتفوقه على مناصب دولية رفيعة وجوائز دولية عديدة وهو يمتلك خبرة قانونية وسياسية عظيمة..

كما أثبت البرادعى مدى حبه لبلاده عندما تبرع بقيمة جائزة نوبل كلها لصالح سكان العشوائيات ثم انتقد علنا الفساد والظلم فى مصر ففتح على نفسه أبواب جهنم.. وكان يستطيع ببعض المداراة أن يحتفظ بصداقة النظام وأن يحصل على منصب حكومى رفيع لو أراد، لكن حبه للحق تغلب على حرصه على مصلحته الشخصية.

أضف إلى ذلك أن النظام المصرى ليس له فضل إطلاقا على الدكتور البرادعى بل إن العكس صحيح، فقد رفض النظام ترشيح البرادعى لمنصب مدير وكالة الطاقة الذرية وبالرغم من ذلك فاز البرادعى بالمنصب بإجماع الأصوات فى انتخابات نزيهة.

البرادعى اذن فى نظر المصريين رجل وطنى كفء وشريف، لم تتلوث يداه بالفساد ولم يشارك فى تزوير الانتخابات ولم يسكت على اعتقال وتعذيب الأبرياء ولم يتلق تعليمات من أمن الدولة ولم ينافق الرئيس مبارك ويتغنى بإنجازاته التاريخية الجبارة كما يفعل الوزراء المنافقون. كل ذلك جعل البرادعى يحظى بتقدير كل ألوان الطيف فى السياسة المصرية بدءا من الإخوان المسلمين واليساريين والليبراليين وحتى أقباط المهجر

ثالثا: أدى ظهور البرادعى المفاجئ وتزايد شعبيته يوما بعد يوم إلى إصابة المسئولين فى النظام بصدمة جعلتهم يشنون عليه حربا شرسة، بدأت بطوفان من الأكاذيب والافتراءات التى تقلل من قيمته وإنجازاته وتتهمه بالنقائص جميعا.. بعد ذلك، تحركت ضده الخلايا النائمة للنظام.. فى الصحافة والإعلام.

وهؤلاء مجموعة من الإعلاميين والكتبة يتظاهرون بالاستقلال والحيدة حتى يكتسبوا ثقة الرأى العام لكنهم ساعة الجد، يتلقون تعليمات مباشرة من الدولة فينفذونها بحذافيرها.. ثم جاءت المرحلة الثالثة من الحرب ضد البرادعى على شكل التجاهل التام.

فعلى مدى أسابيع لم ينشر الإعلام الرسمي حرفا واحدا عن البرادعى وكأنه غير موجود.. بل اكتشف المسئولون، بالصدفة، أن محافظ دمياط محمد فتحى البرادعى يشترك مع الدكتور البرادعى فى الاسم. فانهمرت الموضوعات الصحفية عن محافظ دمياط بمناسبة وغالبا بدون مناسبة، بشكل غير مسبوق لا شك أنه أدهش المحافظ نفسه.. والهدف من ذلك إظهار أن الدكتور البرادعى بلا أهمية تذكر بدليل أن هناك برادعى آخر تهم أخباره الرأى العام أكثر منه.

وهذه الواقعة الطريفة تبين لنا مدى كراهية النظام للدكتور محمد البرادعى والمستوى الفكرى الضحل الذى يتمتع به بعض المسئولين عن الإعلام فى مصر.

رابعا: على مدى سنوات بذل النظام المصرى مجهودا جبارا من أجل إعداد المسرح، داخليا وخارجيا، لتوريث منصب الرئاسة من الرئيس مبارك إلى ولده جمال.

فى الخارج اعتمد النظام على سياستين: أولا إسداء الخدمات لإسرائيل وإرضاؤها تماما حتى يضغط اللوبى الصهيونى على الإدارة الأمريكية من أجل القبول بالتوريث. وثانيا استعمال الإخوان المسلمين كفزاعة باعتبارهم سيفوزون بالتأكيد فى أية انتخابات صحيحة تقام فى مصر، والغرض من ذلك دفع الحكومات الغربية إلى تأييد النظام المستبد وقبول التوريث.

أما فى الداخل فقد تشكل تنظيم كامل للتوريث أعضاؤه من القانونيين والإعلاميين والشخصيات العامة، الذين خانوا أمانتهم الوطنية والمهنية وأخذوا يرددون أن جمال مبارك هو البديل الوحيد المتاح لأبيه، وحاولوا تقديمه للرأى العام فى صورة جذابة ثم قاموا بالتعديلات الدستورية المشينة التى تحصر المنافسة بين الرئيس وولده. والحق أن ظهور محمد البرادعى قد أفسد كل هذه الترتيبات. فهو لا ينتمي للإخوان ولا للنظام وقدراته السياسية والمهنية الكبيرة لا يمكن مقارنتها بإمكانات جمال مبارك المتواضعة.

كما أن البرادعى فى النهاية وجه معروف ومحترم على مستوى العالم مما يجعل ضربه أو اعتقاله أو تلفيق القضايا أو الفضائح من أجل القضاء عليه، مسألة بالغة الصعوبة.. ومن أجل إتمام التوريث يحتاج النظام إلى كومبارس، يتقدمون للترشيح ضد جمال مبارك ويخسرون الانتخابات لعلهم يضفون بعض المصداقية على هذه المسرحية الهزلية.

وعادة ما يبحث النظام عن هؤلاء الكومبارس بين الشخصيات العامة المتعاونة معه أو الطامعة فى المناصب أو بين أعضاء الأحزاب الكرتونية الصورية المصنوعة بالكامل فى مباحث أمن الدولة إلا أن الدكتور البرادعى انتبه مبكرا لهذا الفخ ورفض تماما أن يترشح للرئاسة فى ظل هذا العوار الدستوري والقانونى وطالب بخطوات محددة من أجل تعديل الدستور بشكل يسمح بتنافس حقيقى وشريف على منصب رئاسة الجمهورية وقد تضاعف احترام المصريين له عندما أعلن أنه سيعود إلى مصر لا ليسعى إلى رئاسة الجمهورية وإنما لينضم إلى القوى الوطنية التى تسعى إلى إقامة الديمقراطية فى مصر.

أخيرا.. فإن مصر تمر بلحظة فارقة فى تاريخها، لعلها تشبه المرحلة التى سبقت ثورة 1952.. ثمة إجماع على أن الوضع القديم لم يعد يصلح وأن التغيير قادم لا محالة. ولعلها مفارقة ذات دلالة أن يصل محمد البرادعى إلى مصر فى نفس الأسبوع الذى يسقط فيه مواطنون مصريون شهداء، ليس فى معركة حربية دفاعا عن الوطن، وإنما خلال صراع بائس للحصول على أنبوبة بوتاجاز ليتمكنوا من طهي الطعام لأولادهم. إلى هذا الحد بلغت المهانة بالإنسان المصرى.

أيها القارئ العزيز
إذا كنت تريد لأولادك أن يعيشوا فى بلد يحترم حقوقهم الإنسانية، يتساوى فيه الناس جميعا أمام القانون وينعمون بفرص متكافئة فى التعليم والعمل.
إذا كنت تريد التغيير والإصلاح فى مصر..
تعال معنا يوم الجمعة المقبل إلى المطار لنكون فى استقبال الدكتور محمد البرادعى.

الديمقراطية هى الحل.

----

- علاء الأسوانى
- البرادعي غير مهتم بالرئاسة (نوفمبر2011) "الدستور"
يواصل الروائي العالمي الكبير د.علاء الإسواني في الجزء الثاني من حواره مع الدستور الأصلي طرح المزيد من آرائه الجريئة والمثيرة للتفكير والجدل، فإلى التفاصيل..

لكن القضاء أصبح يتدخل في موضوع التعذيب، ألا يعفي ذلك رئيس الجمهورية من المسئولية؟
ليس لدينا قضاء مستقل لكن هناك قضاة مستقلون، فالنائب العام يعين من رئيس الجمهورية والتفتيش القضائي هو إدارة في وزارة العدل التي يرأسها وزير العدل المعين من رئيس الجمهورية، يعني التفتيش القضائي يتبع رئيس الجمهورية، والرئيس بالتالي هو المسئول عن التعذيب الذي يحدث بمعايير العالم كله.

لكن هذا الرئيس ونظامه يؤكدون أن هناك إنجازات لا يلتفت لها المعارضون .
ممكن تضحك على نفسك إلى أن تصدق.. والموقف كله يذكرني بمسرحية ألفريد فرج العبقرية علي جناح التبريزي وتابعه قفة، فـ(علي) ينتظر قافلة وهمية وفي لحظة يصدق أن هناك قافلة بالفعل رغم أنه هو من أطلق الشائعة وكذب الكذبة لكنه صدقها.الإنجازات الموجودة هي كذبة وهي إنجازات للفئة المنتفعة.رئيس مجلس إدارة صحيفة حكومية يأخذ مليون جنيه في الشهر هذا إنجاز بالنسبة له.لكن في المقابل لم يحدث في تاريخ مصر أن ماتت ناس وهي تتنازع على أنبوبة بوتاجاز أو رغيف عيش..معدلات البطالة المرتفعة والجامعات غير المصنفة والمستوى المزري للتعليم والصحة.. هل هذه إنجازات؟..طبعاً لأ.. لكن المنتفعين يصدقون أنفسهم .

البسطاء يصدقون هذه الإنجازات كما يقول الإعلام.. فهم لا يعرفونك ولا يعرفون المعارضة أو البرادعي
 كلام غير صحيح سببه ضعف في التفكير وتأثر هؤلاء الناس بالإعلام الحكومي الذي يقوم بالتشويش ليشغل الناس بالكرة والدين الظاهري والمسلسلات المتخلفة ففي النهاية هو لا يريدك أن تفكر.. هو يريد أن يشغلك ويلهيك لتنسى، لكن لا أحد ينسى.

ألا توجد مسئولية على الأحزاب؟
الأحزاب الموجودة تلعب دور المعارض لكنها ليست معارضة هي الأخرى ضمن دائرة (كأن) التي حدثتك عنها، وهي مكلفة بمهام تؤديها، ثم طالما الدولة مؤمنة بالأحزاب كما تردد فماذا لا تعترف بالأخوان الذين أعتبرهم  حزب ولكن غير معترف به.. أين موافقة الدولة على أحزاب مثل والكرامة والجبهة؟

تتحدث وكأن الدولة لم تعط ترخيصات لأحزاب مثل الغد مثلاُ
لما بيديك الترخيص في غفلة من الزمن يستطيع أن يدمرك ويتبع نظرية التفجير من الداخل بأن يحدث صدامات وانشقاقات عن طريق الأمن، فيظهر من يتنازع على رئاسة الحزب..أنا أرى أن النظام فشل في كل شئ إلا في شيئين هما : القمع ويسميه هو الأمن والتضليل ويسميه هو الإعلام.الأمن في منتهى الكفاءة لكنه في النهاية لخدمة شخص..

طب أين المعارضون؟
القطاع العريض من الناس معارض ويبحث عن حزب يعبر عنه، لكن للأسف الشديد المعارضة جسد بلا رأس..قوية لكن بلا تنظيم..ليس لديها من يوظف غضبها في الاتجاه الصحيح.

هل ستجد المعارضة فرصة لها لو أصبح البرادعي رئيساً؟
الرئاسة ليست شاغل البرادعي..ما يشغله هو أن يقدم شيئا لبلده بعد كل النجاحات التي حققها في الخارج ولا يوجد أنبل من التغيير لنقدمه إلى هذا الوطن..هذا يفسر النضال الذي يخوضه زويل لإنشاء جامعة في مصر، ويفسر ما يقوم به مجدي يعقوب وغيرهم..البرادعي داعية للتغيير الديمقراطي ليس أكثر.

كيف ترى البرادعي وتجربته؟
من عدم الإنصاف الحكم على تجربة البرادعي الآن لكن عن تجربة هو رجل ديمقراطي ومستمع جيد ودبلوماسي مخضرم قادر على الحوار بأسلوب محترم وقد شعرت في المرة الأخيرة التي قابلته فيها أنه استوعب ما يحدث في مصر وما يمكن أن يتعرض له أو يعرقله وهو مستعد لدفع أي ثمن.

وهل سيتركه النظام؟
النظام سيقاوم التغيير بكل قوة وبكل شراسة لأن التغيير قد يؤدي إلى محاكمة العديد من مسئولي النظام وباتالي سيدافع النظام عن نفسه بكل قوته، وهو يفهم ما يريده.

لكن هل الناس يريدون التغيير.. أقصد هنا الناس العادية والبسيطة لأن هناك رأي أن هؤلاء لا يريدون التغيير ولا يعرفون البرادعي أصلاً؟
من يشكك في رغبة الشعب المصري في التغيير عليه أن ينزل إلى الشارع بعيداً عن التكييف والمرسيدس.

وهل ينزل المثقفون للناس يا د.علاء؟
علاقتك بالناس وبالشارع هي التي تحافظ على صحتك العقلية وموقفك كمبدع، وفقدان علاقتك بهم تعني فقدان بصيرتك..هيمنجواي كان مرتبط بالصيادين..ماركيز كان يجلس مع الناس على مقاهي باريس..يحيى حقي كان يركب المترو، ونجيب محفوظ ليس من قبيل المصادفة أن يقيم ندوته في مقهى. الأدب دفاع فني عن القيم الإنسانية ولا يعرف كونك غنياً او فقيراً، ولا يتسق أن أدافع عن الناس في الكتب ولا أدافع عنهم في الحقيقة وليس معنى أنني تعلمت في مدارس أجنبية ألا أدافع عن مجانية التعليم.

د. علاء ما رأيك في مسلسل الجماعة ؟
 لدي رأي أرجو أن يتقبله الأستاذ وحيد حامد بصدر رحب..وحيد حامد ككاتب دراما لا أحد يختلف عليه، لكن للأسف الشديد به انحياز سياسي واضح أفقده كثيراً من مصداقيته فقد كان منحازاً للأمن بصورة مدهشة، كما أن المسلسل بدأ بواقعة غير حقيقية أصلاً فالاتحاد الموازي في جامعة عين شمس لم يكن يضم الإخوان فقط ومع ذلك واجهه أحمد زكي بدر رئيس جامعة عين شمس وقتها بإدخال البلطجية لأول مرة في تاريخ الجامعات المصرية لضرب الطلبة، وكوفئ بدر بأن أصبح وزيراً للتعليم، أما في المسلسل فقد قدم العكس.
نقطة أخرى .. هل الذين يقبض عليهم في أمن الدولة يعاملون بهذه الرقة والوداعة؟..شئ غير صحيح طبعاً والإنسان المصري حساس وذكي وربما لذلك لم يعجبه المسلسل الذي أرى أنه ربما أفاد الإخوان المسلمين..أنا ضد أن تكتب المسلسل وأنت تحت ضغط سياسي أو طلبات أمنية وكل إنسان مصري يعرف ما يحدث داخل مقار أمن الدولة، أضف لذلك أن الأستاذ وحيد حامد بايع مبارك من قبل في المهزلة التي سميت بالانتخابات الرئاسية.

 لكنك على الرغم من ذلك أعطيت روايتك الشهيرة عمارة يعقوبيان لوحيد حامد ليصنع منها فيلماً.ألم يكن من الأولى أن تخاف على روايتك؟
أنا من أنصار الابتعاد عن النص الأدبي بعد كتابته، فأنا مسئول عن روايتي وليس عن الفيلم ، والفيلم كان علامة من علامات السينما العربية، ومروان حامد أخذ عنه جائزة في نيويورك لتميزه الشديد، للأمانة لم أشعر بأن الفيلم قلل من الخط السياسي للرواية وكان من إنجازات الفيلم أن يظهر أمن الدولة في التسعينات وهو يعذب الناس، وكلنا يعرف أن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة في التسعينات أصبح في منصب أكبر بكثير الآن ، لكن هنا يطرح السؤال مرة أخرى، وعارف انه هيزعل الأستاذ وحيد بس أنا أحب اقول الحق.أنت كتبت عمارة يعقوبيان المهاجمة لأمن الدولة ثم الجماعة التي تقدم من خلالها أمن الدولة كمجموعة من الرجال المهتمين بالأناقة والرقة، فهل كنت مقتنعاً أصلاً بما قدمته في يعقوبيان أم بما قدمته في الجماعة أم أن أمن الدولة تغيرت إلى هذه الدرجة في هذه السنوات القليلة؟

هل تابعت مسلسلات أخرى في رمضان؟
عجبني جداً ماما في القسم وقدم محمود ياسين من خلاله دور هايل. إضافة لأهل كايرو لبلال فضل لكن الإعلانات تتحكم الآن في الدراما المصرية للأسف الشديد وهو ما يفرض نجوماً معينين ونصوصاً بالغة التفاهة وهو ما لن يجعلنا أبداً نقدم مستوى عالمي في الدراما.

د. علاء تعالى نتحدث عن الأمن والشرطة وأنت دائم الانتقاد للداخلية ولضباط الشرطة ولقطاعات أمنية عديدة مثل أمن الدولة.. هل تراهم جميعاً بهذا السوء؟
أنا ضد التعميم.. وضباط الشرطة فيهم الكثير من الضباط المحترمين ، وأكثر من مرة في ندواتي يتقدم لي ضابط شاب يتنصل من أفعال زملائه الذين أكتب عنهم.أنا شخصياً عيادتي اتسرقت والناس كانت في منتهى الاحترام وحققوا في الواقعة وعاملوني معاملة محترمة.لكن كل من يعذب المصريين أنا ضده أياً كان موقفه أو موقعه.

 لكنك ترى أن الشرطة منهجها التعذيب ، ألم تخف من أن تتبع الشرطة التي تحقق في واقعة سرقة عيادتك هذا المنهج؟
طلبت عدم تعذيب أحد في واقعة سرقة عيادتي ، وأريد أن أقول لك أن الضباط أيضاً لديهم مشاكل لكنها لا تبرر عنفهم المبالغ فيه والقسوة التي يستخدموها أو التعذيب الذي يتبعوه مهما كانت مرتباتهم متدنية لظباط.. مشكلتي فقط مع من يعذبون الناس ويقمعوهم ويلفقون لهم التهم.

وهل وصلت لسارق عيادتك؟
لأ..(يضحك ثم يكمل)..وللعلم  لست ضد أفراد أمن الدولة لكن ضد مناهجهم وتعذيبهم للآخرين .

ما رأيك في الإخوان المسلمين؟
الإخوان يكررون أخطائهم منذ عام 1928، وقطاعهم الأكبر عندهم إخلاص حقيقي، لكن ليس عندهم اتجاه سياسي ديمقراطي حقيقي فهم وقفوا دائماً مع الاستبداد ضد إرادة الشعب .وقفوا مع فاروق ومع اسماعيل صدقي جاد الشعب ومع عبد الناصر حين ألغى الأحزاب ولم يطالبوا بأي ديمقراطية أيام السادات وبعث بعضهم بإشارات لمبارك عن استعدادهم لتمرير التوريث في مقابل تكوينهم حزب.

عندك مشكلة إذن مع الإخوان؟
طبعاً، فجملهم تقرأ من اليمين ومن اليسار..يعني هناك جمل مدهشة مثل قول المرشد السابق " نحن نعارض تولي جمال مبارك الحكم لأننا نخشى عليه من الفساد الموجود في الحكم" ثم قال أن التوريث ليس أهم شئ في مصر، وعندهم حسابات لا تهم باقي الناس مثل موقفهم من الانتخابات ومشاركتهم في هذه المسرحية الهزلية.

موقفك من الانتخابات إذن هو المقاطعة؟
أنا مع عدم النزول للانتخابات لأنه مفيش انتخابات أصلاً.ليس لدينا تنظيماً من المطالبين بالتغيير يستطيع حماية الانتخابات وبالتالي فالمشاركين مع احترامي سيكونوا كومبارسات.لأنه إما أن يكون عندك التنظيم لفرض إرادتك السياسية يا هتبقى كومبارس. لما تقاطع الانتخابات وتقول انها مزورة غير لما تخش الانتخابات وتخسر وانت عارف انك هتخسر وتقول انها مزورة وانت عارف انها مزورة.

نعرج على الأدب وأسألك : هل توجد رواية مؤدبة؟..رواية لا تهاجم بسبب الجنس الموجود فيها مثلما تهاجم رواياتك؟
لا توجد رواية مؤدبة خالية من الجنس، والمصطلح نفسه نسبي وحساسية المجتمع تجاه الجنس تتحكم فيه، فالسراب وبيت من لحم لو كانوا نشروا الآن لامتعض الناس منها فالمجتمع أصبح من الخارج أكثر محافظة، وقد تشرفت بكتابة كلمة كمقدمة لإحدى أعمال يحيى حقي ووجدت عنده قصة نشرت عام 1926 أتحدى أن تنشر الآن وهي عن إمام جامع سكير يغلبه الخمر دائماً وبعد أن يشرب يذهب ليبكي ويتوب ثم يؤم الناس للصلاة، وقد صاغها يحيى حقي بطريقة تجعلك تتعاطف مع هذه الشخصية البائسة..المجتمع يتغير.الأديب من واجبه ألا يقبل حلولاً وسطاً.. روايتي شيكاجو بها 6 صفحات فقط من 600 صفحة هم الذين دار حولهم لغط أو جدل .وأنا لا أستطيع أن أخون الفن لإرضاء القراء.

هناك مشكلة عند شريحة من القراء مع المشاهد الجنسية؟
 مشكلة الجنس ليست في النص وإنما في المتلقي ففكرة الوحدة عند المرأة الأمريكية التي تصل بها لشراء أجهزة تشبعها فكرة تجعل الناس في الظروف العادية والطبيعية تتعاطف معها.المشكلة في أن المتلقي أحياناً يكون مستثاراً جنسياً فلا يتجاوز التفاصيل إلى الغرض وإنما ينظر فقط في التفاصيل المثيرة بالنسبة له.

الشرقيين بصفة عامة عندهم مشكلات مع الجنس؟
 أنا رأيي أن الرجل الشرقي عنده مشكلة مع المرأة ومع الجنس.هو يطلب منها آداء جنسياً متميزاً فإن قدمته يشك فيها وإن لم تقدمه قال أنها لا تشبعه..عندنا مشكلة.

البعض يرى أن ما تكتبه حرام من وجهة نظر دينية، ولذلك هم دائمي الهجوم عليك؟
أثق أن ما كتبته ليس حراماً بمفهومي أنا ومن يقول أنه حرام يتبنى موقفاً ضد الفن وليست لديه رؤية متفتحة دينية لأن الفن لاحق على الدين. أعطيك مثلاً : مشهد اغتصاب سعاد حسني في الكرنك طبق عليه روح الدين ستجده مشهد إنساني يجعلك تشعر أنك تتمزق من الداخل، لكن لو طبقت مفاهيمهم ستجدهم معترضين على رجلها وعلى كتفها اللي بان. الاجتراء على المقدس الديني  أصلاً سمة من سمات الشعراء الكبار في الأدب العربي، ومفهوم ضمناً أنني أبالغ ولا أقصد الإساءة إلى الذات الإلهية أو إلى المقدسات الدينية.. يعني لما يقول الشاعر "إذا كان ذنبي أن حبك سيدي فكل ليالي العاشقين ذنوب.. اتوبُ الى ربي واني لمرةٍ يسامحني ربي اليك اتوبُ" هو لا يقصد أي إساءة ، وإنما هي مبالغة والناس تعرف أنها مبالغة فنية وليست على سبيل الاجتراء أو الإهانة للمقدس الديني..، ولما يقول نزار قباني :" قتلناك يا آخر الأنبياء" على جمال عبد الناصر..هذه مبالغة.وما لا يريد البعض فهمه أو إدراكه أن الفن ليس الحياة لكنه يشبهها، وهي معضلة يقع فيها المتزمتين.

موقفك من السلفية والسلفيين يسبب لك الكثير من المشاكل والهجوم
أنا ضد السلفية المتشددة القادمة من مجتمعات منغلقة أقل بكثير في حضارتها من مصر.مصر التي عرفت السينما بعد أن عرفها العالم بأقل من سنة بينما هذه الدول ليس فيها أي سينما حتى الآن.النفط قلب المعادلة لكن على الرغم من ذلك هم أغنياء ولا يستطيعوا الاستغناء عن مصر، المؤسف أنه حدث تجريف للثقافة المصرية والعقل المصري الذي تأثر بهذه الأفكار السلفية المتشددة والتي تعادي السينما وغيرها..وللعلم هذه الدول عندها مثقفين يقاومون.

أنت ضد كل السلفيين؟
 (يضحك) مرحباً بالسلفي المحترم حين يقتدي بعمر بن الخطاب.

لماذا توجد هذه الهوة الشاسعة من وجهة نظرك بين الدعاة بشكل عام والمثقف ؟
الإشكالية في صراع الداعية والمثقف لأن الدعوة السلفية المتشددة الوهابية لا علاقة لها بالفن أو الأدب..هل تصدق أن بعض السلفيين كتبوا : "هلك محمود درويش" بسبب قصيدة..ناس تكفر أمل دنقل ، وناس آخرين منعوا الصلاة على نزار قباني حين مات في لندن..كل هذا تطرف والتطرف والفن لا يجتمعان وأذكرك أن بنت الشيخ الغزالي كان عندها بيانو، والقراءة المصرية للإسلام متسقة مع حضارة مصر ووسطية أهلها، أما الآن فالمنتشر على رأي الشيخ الغزالي هو فقه البداوة..هو نفس الفقه الذي هاجم من خلاله الشيخ كشك أم كلثوم

----

- علاء الأسوانى
- ماذا ينتظر المصريون من البرادعى (مارس2010) "الشروق" المصرية
.. ماذا يتوقع المصريون من البرادعى..؟!
يتعرض النظام السياسى فى مصر الآن إلى أزمة حرجة، فالرئيس مبارك (الذى نتمنى له الشفاء) قد يضطر إلى التقاعد فى أى لحظة.. وبالرغم من الجهود الكبيرة التى بذلها النظام لتسويق جمال مبارك فقد فشل تماما فى إقناع المصريين بجدارته لمنصب الرئيس. أضف إلى ذلك أن معظم المصريين يرفضون فكرة توريث الحكم من أساسها، سواء لجمال مبارك أو أى شخص آخر ويتمسكون بحقهم الطبيعى فى اختيار من يحكمهم.. فى نفس الوقت نجح الدكتور محمد البرادعى فى أن يطرح نفسه باعتباره قائدا حقيقيا للمصريين فى معركة التغيير. إن التأييد الشعبى العريض الذى يحظى به البرادعى اليوم يشكل ظاهرة سياسية فريدة لم تحدث فى تاريخنا إلا مرات قليلة، مع سعد زغلول وجمال عبدالناصر ومصطفى النحاس.. فقد اجتمع على تأييد البرادعى مصريون ينتمون إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية.. إسلاميون وأقباط واشتراكيون وليبراليون وناصريون ووفديون والأهم من ذلك ملايين المصريين العاديين، الذين رأوا فى البرادعى قائدا يجسد أحلامهم فى العدل والحرية. فى ظل أزمة النظام والتأييد الواسع للبرادعى، قد يكون من المفيد أن نسأل: ماذا يتوقع المصريون من البرادعى؟!.. الإجابة تتلخص فيما يلى:

أولا: الدكتور البرادعى شغل واحدا من أكبر المناصب الدولية كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذين يتقاعدون من هذه المناصب الرفيعة لا تنتهى مشاغلهم، فبمجرد خروجهم من المنصب تنهال عليهم الدعوات لإلقاء المحاضرات والاشتراك فى الأنشطة الدولية المختلفة.. المصريون يتوقعون من الدكتور البرادعى أن يستقر نهائيا فى مصر، ويعطى الأولوية لقيادة العمل الوطنى لأن القائد الذى يدافع عن حقوق الأمة يجب أن يظل دائما فى أرض المعركة.. وأنا أثق أن الدكتور البرادعى يتذكر ما فعله الزعيم مصطفى النحاس عندما تولى زعامة الوفد عام 1927، فقد كان آنذاك محاميا كبيرا شهيرا، لكنه ما إن تولى قيادة الوفد حتى اعتزل المحاماة وأغلق مكتبه وقال جملته الشهيرة:
اليوم صرت محاميا عن الأمة كلها فلا يجوز بعد ذلك أن أدافع عن الأفراد فى المحاكم.

ثانيا: قبل ظهور البرادعى نشأت حركات وطنية عديدة من أجل التغيير كانت أهمها حركة كفاية، التى كان لها الفضل الأكبر فى كسر حاجز الخوف عند المصريين. إن أعضاء كفاية الذين تحدوا قانون الطوارئ وتلقوا على رءوسهم ضربات الأمن المركزى وتحملوا الاعتقال والتعذيب هم الذين انتزعوا للأمة كلها الحق فى التظاهر والإضراب، وهم الآباء الحقيقيون لحركات الاحتجاج الكثيرة، التى تعم مصر الآن من أقصاها إلى أقصاها.. على أن حركات التغيير جميعا (بما فيها حركة كفاية) قد عانت دائما من ضعف اتصالها بالجماهير العريضة من المصريين.. أما فى حالة البرادعى فقد حدث العكس.. لقد تكونت شعبية البرادعى فى الشارع ثم انتقلت إلى بعد ذلك إلى النخبة.. إن الذين صنعوا شعبية البرادعى ليسوا كبار المثقفين والسياسيين، وإنما هم عشرات الألوف من المواطنين العاديين الذين أحبوه ووثقوه فيه.. هذا التأييد الشعبى الواسع للبرادعى يفرض عليه أن يظل دائما وسط الناس.. إن المحيطين بالدكتور البرادعى الآن مجموعة من أفضل الوطنيين المصريين وأكثرهم إخلاصا. لكن الباب يجب أن يكون مفتوحا للجميع، لقد أصبح الدكتور البرادعى قائدا للمصريين جميعا باختلاف اتجاهاتهم.. من هنا يكون من حق أى مصرى أن يقابل الدكتور البرادعى، وينقل إليه أفكاره ومن واجب الدكتور البرادعى أن يستمع إليه.. إن نجاح الدكتور البرادعى فى مهمته الكبرى سيظل دائما مرهونا باتصاله بالناس العاديين البسطاء.

ثالثا: كان إعلان الدكتور البرادعى عن تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير عملا سياسيا بارعا وأنا أتوقع أن ينضم إلى هذه الجمعية مئات الألوف وربما ملايين المصريين لكن بمجرد الإعلان عن فتح باب العضوية لكن باب العضوية لم يفتح بعد.. الناس فى مصر وخارجها يريدون الانضمام إلى البرادعى، ولا يعرفون ماذا يصنعون. لابد أن تتاح لهم فرصة للمشاركة أكبر من كتابة التوكيلات التى يتم جمعها الآن. إن التأييد العريض، الذى يتمتع به البرادعى قد جمع حوله مجموعة من أفضل العقول والكفاءات المصرية، وكلهم يتوقون إلى اللحظة التى يكلفون فيها بأداء أى مهمة من أجل بلادهم.. نحن نتوقع من الدكتور البرادعى أن يسارع، بمجرد عودته من الخارج، إلى اختيار مقر للجمعية الوطنية وفتح باب العضوية فيها وإنشاء لجان مختلفة متخصصة تحقق الاستفادة من الكفاءات جميعا من أجل تحقيق الإصلاح الذى نتمناه.

رابعا: نتوقع من الدكتور البرادعى أن يكون مستعدا للصدام العنيف مع النظام الحالى، لقد تجاوز البرادعى دور المصلح السياسى إلى دور القائد الوطنى، ومن الطبيعى أن يدافع النظام الاستبدادى عن مكاسبه بمنتهى الشراسة. لا جدوى إذن من تفادى الصدام أو تأجيله لأنه حتمى، وقد بدأ بالفعل فى الأسبوع الماضى عندما تم استدعاء أحد مؤيدى البرادعى، الطبيب طه عبدالتواب، إلى مقر مباحث أمن الدولة فى محافظة الفيوم، حيث تم تجريده من ثيابه وضربه وتعذيبه وإهانته بطريقة بشعة وغير آدمية.. هذه الجريمة التى تحدث يوميا فى مقار أمن الدولة تكتسب هذه المرة معنى جديدا.. إنها رسالة من النظام إلى المطالبين بالإصلاح بأن أحدا منهم لن ينجو من تنكيل السلطات حتى لو كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة..

وقد انتبه الدكتور البرادعى إلى ذلك فأصدر أثناء وجوده فى كوريا، بيانا صحفيا أدان فيه بشدة الاعتداء على الدكتور طه عبدالتواب وأعلن تضامنه الكامل معه. على أن هذا الحادث البشع مجرد بداية للحرب ضد البرادعى، التى سيستعمل فيها النظام كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة من أجل القضاء على أمل المصريين فى الحرية. نحن نتوقع من الدكتور البرادعى أن يستعمل خبرته الواسعة بالقانون الدولى فى ملاحقة الجلادين، الذين يعتقلون الأبرياء ويمارسون التعذيب من أجل محاكمتهم أمام المحاكم الدولية.

خامسا: منذ البداية رفض الدكتور البرادعى بإصرار أن يكون مرشحا للرئاسة بواسطة أحد الأحزاب المعترف بها ورفض أيضا أن يتقدم إلى لجنة الأحزاب بطلب تأسيس حزب جديد. وفى الأسبوع الماضى تسربت الأنباء عن صفقة سرية عقدها النظام مع حزبى التجمع والوفد وجماعة الإخوان المسلمين، يمتنع بموجبها هؤلاء عن تأييد البرادعى مقابل إعطائهم بعض مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات المزورة المقبلة. هذه الصفقة المؤسفة بقدر ما تكشف عن المستوى الذى انحدر إليه بعض السياسيين فى مصر، تثبت لنا كم كان الدكتور البرادعى حكيما وبعيد النظر عندما رفض أن يتعامل معهم، مما جعله يحتفظ بنقاء صورته عند الرأى العام بعيدا عن فساد النظام، وهؤلاء الذين يتظاهرون بمعارضته، بينما هم يتواطأون معه سرا ضد حقوق الشعب.. المصريون يتوقعون من الدكتور البرادعى أن يظل متمسكا بموقفه المبدئى، وأن يرفض أى نوع من التفاوض أو الحلول الوسط. إن ما يطلبه المصريون ليس تعديلا محدودا فى السياسات وإنما إصلاح جذرى شامل.. إن كل مواطن يوقع على توكيل للبرادعى من أجل تغيير الدستور إنما يوقع فى نفس الوقت على سحب الثقة من النظام الحالى.. لا فائدة إذن من المناشدات وتدبيج العرائض لأن الحقوق لا تهدى وإنما تنتزع. إن قدرتنا على تحقيق العدل مرتبطة دائما باستعدادنا للتضحية من أجله.. إن مائة عريضة بليغة نناشد فيها النظام لن تجعل المسئولين يقتنعون بالديمقراطية ولكن لو نزل إلى الشوارع مليون متظاهر، عندئذ فقط سوف يجد النظام نفسه مجبرا على الاستجابة لمطالب الإصلاح.

أخيرا، بينما مصر كلها تنتظر عودة الدكتور البرادعى من رحلته.. وجدت من واجبى أن أنقل إليه ما يتردد فى أذهان المصريين، الذين يحبونه ويعقدون عليه الآمال الكبار، والذين يثقون تماما وأنا معهم أن محمد البرادعى لن يخذلهم أبدا.

الديمقراطية هى الحل..

----

- علاء الأسوانى
- الحكام العرب أشقاء فى قمع البرادعى (يونيو2010"الشروق" المصرية 
أكد الكاتب الروائى علاء الأسوانى، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع" أن اعتقال المصريين المؤيدين للبرادعى بالكويت دليل على تآمر الدول العربية كلها وتحالفها ضد الإصلاحيين الراغبين فى إحداث تغيير حقيقى فى المجتمعات العربية.
كما أكد على أن الحكام العرب أشقاء فى القمع والقهر والاستبداد، بدليل اعتقال هؤلاء الناشطين المصريين بالكويت. وأضاف الأسوانى هذا القمع للمصريين بالخارج دليل على مكانة مصر الكبيرة فى المجتمع العربى، لأنه ليس من مصلحة الحكام العرب أن يحدث تغيير فى مصر، لأنهم يعلمون أن مصر هى القائدة الحقيقية فى المنطقة، ومن ثم إذا حدث بها تغيير ديمقراطى ستهتز عروشهم الاستبدادية. وأضاف الأسوانى أن النظام الحاكم يريد أن يحكم قبضته على المصريين بالخارج وخاصة فى الدول العربية، وهذا تنبيه قوى على أنه لو حدث، وتم منح المصريين حق التصويت فى الانتخابات الرئاسية فمن الجائز جدا تزوير هذه الانتخابات.

----

- بلال فضل
- البرادعي أفضل من يحكم مصر (2010) "محيط"
في أمسية غلب عليها الصراحة استضافت مكتبة ديوان بالزمالك حفل توقيع الكاتب والسيناريست بلال فضل لكتابه "ضحك مجروح"، وفيها عبر بلال عن آرائه في كثير من القضايا التي ارتبط اسمه بها في الآونة الأخيرة وشغلت الرأي العام ومنها دعمه لترشيح البرادعي لرئاسة مصر ، ومعركته مع سيد القمني، وكيف ساهم فضل دون قصد في الإساءة إلى لغة الصحافة ، كما شدد فضل على أن مشكلات حياتنا حلها في كتب التراث والتاريخ !.
وسأله أحد الحاضرين عن الفرق بين الكتابة للسينما والكتابة الصحفية ، فقال "فضل" أن فكرة الكتابة تراود الكاتب حين يشغله هم ما، ووسيلة التعبير عنه هي التي تفرض الشكل، فهناك موضوعات تصلح أن تعالجها السينما أكثر من الصحافة، لكن ما يثير اندهاشه أن الجمهور ينتظر دائما منه الكتابة في السياسة ، كما يتعجبون من كتابته للسينما في موضوعات ساخرة واجتماعية ، رغم أنه لا يجد مانعا من أن يكون كاتبا ذو اهتمامات متنوعة .
أما عن تعبير "الكاتب الساخر" فيشير صاحب "ما فعله العيان بالميت" إلى أنه لا يفضله لأن هناك كاتبا موهوبا أو لا، فهذه التصنيفات غير معتد بها بدليل اقترابه ممن عرفوا بهذا النوع من الكتابة أمثال الكاتب الكبير محمود السعدني، وأحمد رجب ولم ير أحدا منهم يعرف نفسه بأنه كاتب ساخر، فهي بدعة جديدة " لا يعرف من ابتدعها ".
وقال فضل : أفلامي أحدد الهدف منها منذ شروعي في الكتابة، فهذا فيلم للإمتاع والتسلية، وهناك أفلام بها بعد سياسي أو فيلم غنائي يعبر عن طبقة معينة، ولا أغضب من انتقادي ومهاجمة أفلامي فهكذا فعلوا مع صلاح جاهين حين كتب الفوازير، وحين كتب أغنيات للمطرب أحمد عدوية، أيضا بيرم التونسي انتقده المثقفون حين كتب أفلاما لراقصات، فأنا متصالح مع نفسي ولا أنتظر أن يشيد النقاد بأفلامي التجارية، ولا يزعجني الانتقاد لأني مؤمن جيدا بمقولة أن الزمن هو خير ناقد وهو من ينصف الكاتب أو الفنان.
 
 ويؤكد صاحب "بني بجم" أن فكرة الانفصام بين الفن والصحافة غير حقيقية لأن نفس الانتقادات التي توجه إلى الصحافة توجه للسينما، معتبرا أنه يملك رؤية مركبة لا تخيفه المجاهرة بها حتى إذا شكلت صدمات لقرائه أو جمهوره ، فهو ضد أن يتحول الكاتب مع الوقت إلى فقرة يدرك القراء ما يقوله قبل أن يقرأوا له، ويضيف : البعض استطاع أن يفسد الناس ويجعلهم يرتكنون إلى مسلمات جاهزة دون التفكير بها، فأصبح وكأنه أمر غريب أن تكره النظام ولا تحب وتدعم المعارض أيمن نور ، أو أن تكون محاربا للتطرف ولا تؤيد كتابات سيد القمني ، وكأنهم يريدون وضعنا في قوالب جامدة لا تفكر . 


موت المؤلف
تطرق الحديث أيضا إلى علاقة الكاتب بالمنتج الإبداعي الخاص به ، وفي هذا أشار فضل إلى النظرية النقدية التي تنادي بـ "موت المؤلف" وتعني أنك تقيم الكاتب بما ينتجه من أعمال ولا علاقة لقرائه بسلوكه الشخصي أو حياته، إعمالا لمبدأ الحق لا يعرف إلا بالحق وليس بالرجال، ويورد فضل صاحب كتاب "قلمين" مثالا شخصيا حين قال أنه من أشد الرافضين للكاتب أنيس منصور كموقف وسلوك في الحياة ومع ذلك لم يمتنع عن قراءة كتبه وإعجابه بأسلوبه في الكتابة وقدرته على تحصيل المعرفة، وهي الرؤية التي يجب أن نتبناها جميعا حتى لا نحرم أنفسنا من الاستفادة من أشخاص قد لا نوافقهم على سلوكهم في الحياة.
ويشير في ذلك بلال فضل إلى كتاب بعنوان "المثقفون" وصفه بأنه صادم تأليف بول جونسون الصادر عن  دار شرقيات ترجمة طلعت الشايب، ويضم الكتاب معلومات صادمة عن كبار الأدباء في العالم ممن يوصفون بتشريح النفس الإنسانية مثل ديستوفيسكي وتولستوي وغيرهم، وفي النهاية نحن لا يعنينا سوى منتجهم الإبداعي.
المشكلة لدينا هو عدم إدراك حقيقة ذلك الفصل بشكل جيد – يتابع بلال - وهذا ما حدث مع نجيب محفوظ حين كتب مذكراته الصادرة عن الأهرام بقلم رجاء النقاش، روى محفوظ بها بعض الأشياء الصادمة عن نفسه مثل أنه تعاطى الحشيش لتجريبه ، وأنه أقام بعض العلاقات غير المشروعة في فترة من فترات حياته، ولم يتقبل الجمهور ذلك، وهي مشكلة منتهية في الغرب لأنه متصالح مع نفسه إلى حد كبير وهو الأمر الذي ينقصنا هنا.
يقول بلال : علينا أن ندرك أن المبدع حين يقدم على الكتابة ينفصل عن ذاته ليخرج مكوناته الثقافية والاجتماعية على الورق، فداخل كل منا ذوات متعددة منها الخير والفاضل ومنها غير ذلك، وذلك حدث معي حين اعترض بعض القراء على تركي صحيفة "الدستور" وذهابي إلى صحيفة "المصري اليوم" مستنكرين بحثي عن المال مع أن الأمر غير صحيح ففروق الأموال بين الصحف ضئيلة جدا شبهها فضل بالعلاقة بين دوري الشركات والدوري الإنجليزي.
ولكن ما لفت نظره أن الجمهور يتعامل مع الكاتب كأنه شخص ملائكي لا ينتمي للواقع اليومي، ولذلك ينصح بقراءة كتاب "شاهدة ربع قرن" تأليف عايدة الشريف وصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتحكي فيه أنهم حين ذهبوا لتسجيل لقاء تليفزيوني مع عميد الأدب العربي طه حسين كان أول شيئ سأل عنه كم تقاضى العقاد؟ مؤكدا أنه لن يتقاضى أقل منه.
 
منافقو السلطة
أخذ بلال فضل على بعض الكتاب الكبار في مصر عدم إشتباكهم مع الواقع في مقالاتهم التي يكتبونها في "الأهرام" على الرغم من أن الرقابة غير موجودة نظريا إلا أنهم مارسوها على أنفسهم لأنهم يعلمون أنهم لو اشتبكوا مع الواقع كما يفعلون في إبداعهم وفي مقالاتهم في صحف أخرى لن ينشر مايكتبونه .. ولأنهم يدركون أهمية الكتابة في الأهرام كتكريم لأسمائهم فإنهم يتنازلون عن هذا الإشتباك مع قضايا الواقع ويكتبون كأنهم يعيشون في بلد آخر ، وهي مواقف مناقضة لما كان يفعله كاتب كبير مثل يوسف إدريس الذي يستحق وصف الكاتب الحقيقي فقد كان يشتبك مع الواقع رغم كتابته في صحيفة الأهرام متحملا المتاعب التي تنتج عن موقفه هذا.
 
يتابع : الكاتب حينما يفقد احترام القارئ لا يتربح من طبعات كتبه، ولذلك تجتذبه الصحف الحكومية والإعلام الموجه، وبمرور الوقت يفقد الكتاب صلتهم بقرائهم.
سأل أحد الحضور فضل عن رأيه في اعتراض جمال الغيطاني على وصف التعامل مع الكتب الأكثر مبيعا بأنها الأكثر إبداعا ، وعبر عن موافقته له في الرأي ، ولكنه يتساءل لماذا ينشغل الأدباء الكبار مثل الغيطاني بالحديث عن الأكثر مبيعا، خاصة أننا لم نر أبدا الأسواني مثلا وهو أكثر الكتاب مبيعا يدعي أنه أفضل من نجيب محفوظ أو بهاء طاهر أو غيرهم من الكتاب الكبار؟ .
ورأى فضل أن المشكلة إذن تكمن في ذهن جيل فشل في التواصل مع القراء، وذكر مثالا في عهد نجيب محفوظ حينما ظهرت رواية أحدثت ضجة بعنوان "خذني بعاري" وتم معالجتها سينمائيا، ثم اختفت الرواية ومؤلفها وبقى نجيب محفوظ هو الأشهر، ولكن الفرق هو أن نجيب محفوظ كان يعمل في صمت ودأب دون أن يهتم بتقييم الآخرين، فلماذا لا يقلده الأدباء الكبار الآن؟.
ففي عصر تدنت به معدلات القراءة دعونا نسعد إذا اكتسبنا قارئا جديدا، نحن ننشغل بالمناوشات، في حين يتعين علينا أن ننتشل المواطنين من جحيم "البلاي استيشن".

ولذلك أتعمد في برنامجي "عصير الكتب" ألا أتحدث عن الكتب الرائجة بل أحتفي بالأسماء المجهولة وأقدمها، وهو دور الصحافة أيضا، وأرى ان جمال الغيطاني أكبر بكثير من أن يتحدث عن المبيعات ويكفيه فخرا أنه يرأس تحرير صحيفة "أخبار الأدب".
وتطرق فضل في أمسيته للحديث عن واقع اللغة العربية الذي لا يعجب أحدا معتبرا نفسه مساهما بذلك لكن دون قصد، ويحكي أنه حين صدرت صحيفة "الدستور" عام 1995 كان يعمل في الدسك بها مع مجموعة من زملائه ذوي الاهتمامات الأدبية المختلفة وكانت كتاباتهم بالعامية في ذلك الوقت إعلانا عن وجودهم وصرخة رفض للواقع، ولكنها كانت عامية راقية تخرج عن ذائقة متأثرة بصلاح جاهين، والأبنودي، ولكن الجيل الذي تلاهم لم يحافظوا على ذلك وانتشرت دعاوى العامية إلى صحف كثيرة لم تراعي أن تكون عامية راقية وجاءت خالية من البعد الأدبي، فغضب بلال فضل ، وقال : لو عاد بي الزمن إلى الوراء لم أكن لأشارك في ذلك ، يقصد الكتابة العامية .
ترشيح البرادعي
وخلال حفل توقيع كتابه أعلن فضل عن حماسه لتولي البرادعي رئاسة مصر، لأنه أفضل اختيار لمصر في الوقت الحالي، فهو استطاع في شهرين فقط أن يدحض أسطورة أنه لا بديل كفء يتولى حكم مصر، مؤكدا أن مشاكل مصر يوجد مثلها بالعالم كله ولا تحتاج إلى معجزة لحلها، وأن خلاصنا يأتي بأيدينا نحن، وينصح فضل بقراءة التاريخ فهو يعالجنا نفسيا ويجعلنا ندرك أن هناك عصور أكثر ظلاما مرت بها مصر واستطاعت أن تتحرر منها.
والتاريخ سيجعلنا نتيقن أن صمتنا الآن لن يفيد وسندفع ثمنه غاليا من صحتنا ورزقنا، فهو يدحض فكرة التفويض المجاني الذي نعطيه للحاكم، والبرادعي هو بداية طريق طويل وأهم مميزاته أن يحث الناس على العمل وهو ما نفتقده بشدة في مصر، إن قراءة التاريخ ستجعلنا نطالب بحقوقنا جيدا فحين نعرف أننا كنا نملك دستورا فاعلا سيجعلنا نطالب بتعديل مواد الدستور بما يتماشى مع الديمقراطية، وسنعرف أن مصر لديها عراقة نيابية وقضائية قبل أن يتولى الحزب الوطني شئون البلاد.

أيضا أشار فضل إلى أن التراث العربي يحل لنا كثير من المشكلات التي تؤرقنا لأن أئمتنا الكبار كتبوا عن الفقه والسيرة والحديث، كما كتبوا عن الثقافة الجنسية دون خجل أو خوف، عكس ما يحدث الآن فالجماعات المتطرفة استطاعت أن تسيطر على فكر الشباب حين حاولت السلطة السياسية إفهامهم أن الحاكم فقط هو من يملك الإسلام الصحيح، وبالتالي يجب أن تكون الطاعة له واجبة ولا يسئل عما يفعل.
ولذلك أنصح بقراءة التراث وأن تتبنى وزارة الثقافة مشروع "تقريب التراث" الذي يختزل أمهات الكتب في كتب أقل حجما مكتوبة بلغة بسيطة مثلما فعل الراحل عبد السلام هارون، لكن المشروع توقف.
كما تعرض بلال لفكرة الاستبداد الذي نمارسه طوال الوقت على غيرنا، فنحن نريد أن نفرض أذواقنا على الآخرين ونجعلهم نسخا مكررة منا في حين نشكو نحن من الاستبداد والظلم، مؤكدا أن الأفلام الهزلية تعرض في الغرب بجانب الأفلام الراقية وتكتفي الصحيفة بإعطاء درجة لكل منهما وللمشاهد الحكم في النهاية.
وعن معركته مع سيد القمني يقول فضل أنني ضده لأنه "مضلل" لا يتمتع بالأمانة العلمية فهو يقتبس بعض السطور من الكتب ولا يورد الرد عليها فهو يريد خلخلة فكر القراء، لا ان يفيدهم فكيف أثق به، ولكنه يؤكد احترامه للدكتور نصر حامد أبو زيد باعتبار أن لديه مشروعا فكريا يسعى لتحقيقه وأنه باحث عن الحقيقة، ويجتهد ، أما القمني فهو يهوى التضليل ، فقد أورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حين ذهب ليتزوج السيدة خديجة سُقي أبوها خمرا!، لنرى أن الطبري بعد هذه الفقرة بعدة صفحات يرد على هذا القول المكذوب بأن والد السيدة خديجة متوفى قبل هذا الحدث بخمسة عشر عاما ، ولذلك يؤكد فضل أنه فخور بمعركته مع القمني رغم اتهامه  بمناصرة التطرف والإرهاب.

----

- بلال فضل
- سأنتخب علي بدرخان نقيبًا للسينمائيين.. ومحمد البرادعي رئيسًا للجمهورية(2010) "الدستور"
في الجولة الأولي من انتخابات نقابة السينمائيين التي جرت يوم الأحد الماضي، اصطادني مراسل برنامج «البيت بيتك» علي سلالم مسرح السلام، ووضع ميكروفونه في مناخيري سائلا: «هتدي صوتك لمين النهاردة؟»، وأنا دون تردد أجبته: «للدكتور البرادعي طبعا». لم تذع إجابتي في البرنامج الفقيد لأسباب غير سينمائية، مع أنني بالأمانة لم أكن أقصد بما قلته أي مشاغبة سياسية، بل كنت أقصد التهرب من إجابة يمكن أن تغضب أيا من المرشحين لمنصب النقيب، والذين كنت للتو قد عانقت ثلاثة منهم وهنأت كلا منهم بمنصب النقيب ونظرت في عينيه مباشرة مسددا نظرة ولاء لاتدع مجالا للشك في ثقتي الكاملة بأنه النقيب الأصلح من الباقين.

تالله، لم أكن أكذب علي أي منهم، كل الحكاية أنني رجل عاطفي وشخصيتي ضعيفة ومن السهل التلاعب بصوتي الانتخابي. كان أول من قابلتهم علي باب مسرح السلام الأستاذ مسعد فودة، لوهلة لمحت في عينيه نظرة عتاب لأنني مررت إلي جواره دون أن أسلم عليه، كان لابد أن أحتضنه بقوة لكي أنفي وسوسة الشيطان له بأنني تجاهلته، الرجل خدوم ولم أعلم يوما أنه تأخر عن خدمة أحد من أعضاء النقابة، صحيح أنني لم أحتج لخدماته يوما ما، ربنا ما يحوجنا لحد، لكن ضميري يأبي أن أنكر أيادي الرجل البيضاء علي بعض زملاء النقابة، صحيح أنها حقوقهم ولا يتفضل عليهم بها، لكن في مصر التي تضيع الحقوق فيها مع سبق الإصرار والترصد يصبح مجرد الاستماع لطلب حقك أمرا محمودا فما بالك بتلبيته.

بعد قليل مررت إلي جوار الصديق المخرج خالد يوسف، كدت أرتكب نفس الحماقة بسبب تدهور بصري يومًا بعد يوم، زغدني أحد أنصاره لينبهني إلي وجوده، أخذت خالد بالحضن وهنأته بمنصب النقيب وأنا أتذكر مكالمتي له في التليفون التي قلت له فيها إنني بعد تفكير عميق قررت أن أتخلي عن ولائي لأستاذي علي بدرخان وأن أمنح خالد صوتي لكي تصبح نقابة السينمائيين نقابة رأي لأول مرة في تاريخها، ولكي نضمن حماس خالد وروحه القتالية التي يمكن أن تكون مفيدة في مواجهة حملات التلطيش التي أصبحت تتعرض لها السينما علي أيدي من هب ودب، في نهاية المكالمة دفعني ضميري لتنبيه خالد ألا يركز علي حكاية نقابة الرأي في حملاته الانتخابية لأنها كفيلة بإسقاطه بالثلث، والحقيقة هو لم يكن محتاج إلي توصية، كل هذا تذكرته أثناء عناقي لخالد، ولا أظنه كان يشاطرني ذكرياتي لأنه بالتأكيد كان عاجزا عن التنفس بفعل أطنان الهواء الملوث والزحام والدوشة والمزمار البلدي والاختيار الغبي لمسرح السلام كمكان لعقد الانتخابات.

واصلت سيري عبر الحشود المتلاصقة مستعيدا مشاعر فارقتني منذ أيام ركوبي اليومي اتوبيس 924 عباسية - كفر الجبل، أرجوك لا تفهمني خطئا فأنا لم أقصد ما ذهب إليه عقلك، أنا كنت أتحدث تحديدا عن مشاعر الالتحام بالجماهير العريضة. هذه المرة لم أكن محتاجا لمن ينبهني إلي وجود أستاذي علي بدرخان، ضحكته المشرقة كانت «منورة» الدنيا، نظر إليّ مشيرا إلي فقداني الكثير من وزني وقال ضاحكا «ده نيو لوك جديد؟»، وأنا رددت «لأ ده أنا جالي السكر»، شعرت أن ردِّي لم يكن لائقا باللحظة الانتخابية، وهاجمتني نوبة تأنيب ضمير لأنني سأخون أستاذي بعد قليل، ربما لذلك احتضنت الأستاذ علي بقوة وأخذت أتذكر أيامي الحلوة معه منذ أن تشرفت بالعمل معه عام 1998 تحت سقف واحد في محطة الإي آر تي، كان المهندس أسامة الشيخ قد تكرم بلمي من الشوارع أنا وبعض الأصدقاء العاملين في الدستور الأولي بعد إغلاقها الغاشم، وفجأة وجدت نفسي أعمل تحت أيدي الأساتذة علي بدرخان ولويس جريس وإبراهيم الموجي ومني الصاوي، كانت الأشهر القليلة التي عملتها في المكان بمثابة جامعة مفتوحة عوضتني عن حسرتي الدائمة لعدم استطاعتي دخول معهد السينما، لن أنسي ما حييت الأيام التي عايشت فيها علي بدرخان وهو يفتح مكتبه وجيبه وقلبه وعقله طيلة مواعيد العمل الرسمية وبعدها لشباب في سن الضياع، يتخانق مع الإدارة من أجلهم إن جارت عليهم، ويحل خناقاتهم الصغيرة إن لجأوا لفقع الزنب في بعضهم، لا يطلب من أحد مغادرة مكتبه إن جلسنا بكل غتاتة فيه سعداء بأن الله ساق إلينا من عنده أحمد زكي ويسرا ومحمد خان وخيري بشارة وغيرهم من شموس مصر، أتذكره وهو يسمح لي بإجراء أول حوار صحفي معه عن سعاد حسني نشرته في مجلة «الكواكب»، وبعدها يسهل لي الاتفاق معها لكي تنضم إلينا من لندن علي الهواء مباشرة في برنامج كنت أعده عن صلاح جاهين، أتذكره وهو يحدثنا عن دروس السينما والحياة التي تعلمها من والده أحمد بدرخان، عن ذكريات سفينة مناصرة فلسطين التي تضامنت مع ياسر عرفات فور وقوع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، عن ذكريات اعتقاله مع نجم والشيخ إمام أيام السادات، عن معركة قانون النقابات الفنية مع المرحوم سعد الدين وهبة، عن علاقته المركبة مع يوسف شاهين أستاذه الذي لم يقع تحت لعنة التأثر به أبدا، عن كردستان والقضية الكردية وشفيقة ومتولي والجوع والكرنك وصلاح جاهين والراعي والنساء والحب الذي كان ومعهد السينما وأحلامه الفنية الضائعة التي مازال يطاردها وخناقاته التي لا تتوقف مع أحمد زكي والتي شاهدت بعضها بنفسي باستمتاع شديد بمشاهدة الجنون الفني «لايف».

ذكريات طويلة لم تنته بعد انتهاء حضني للأستاذ علي، فقد أعانتني علي تحمل عناء الثلاث ساعات التي قضيتها في انتظار قرار من محكمة جنوب القاهرة بالسماح لي بالانتخاب أنا والأصدقاء الأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد والمخرج محمد علي وفنان الديكور فوزي العوامري، كانت أسماءنا قد سقطت من كشوف الانتخابات لسبب غير معلوم، فسرته ببراءة أنها عقوبة إلهية من الله لي لأنني لم أذهب في حياتي لصندوق انتخابات، لم أشعر أبدا بأن صوتي يمكن أن تكون له قيمة، وعندما شعرت بأن له قيمة هذه المرة لم أتمكن من الإدلاء به إلا بطلوع الروح، القاضي المشرف علي لجنتي الانتخابية قال لي ضاحكا بعد أن كاد يزهق من ملازمتي اللجنة كل هذا الوقت «أنا كده صدقت إنك مؤمن باللي بتكتبه فعلا»، خجلت من أن أصارحه بأن هذه المرة الأولي التي أنتخب فيها في حياتي، ثم قررت أن أصارحه بذلك وقبل أن يندهش قلت له «لكنني لن أذهب إلي الانتخابات القادمة إلا لو ضمنت أنني سأجد قاضيا يجلس مثل حضرتك بجوار الصندوق عندها سأقاتل من أجل أن يظل الصندوق نزيها لا تمسسه يد مشبوهة»، وهو بحياد القاضي ابتسم وسألني «معاك إثبات شخصية؟!»، أعطيته بطاقتي وتوجهت نحو ستارة فحلقية اللون يفترض أن أدلي بصوتي خلفها، مستقبلا نظرات مودة بالغة من أصدقائنا مراقبي المرشحين الثلاثة، شعرت أن كلا منهم متأكد يقينا أنني سأنتخب مرشحه، يبدو أنني برغم ضعف شخصيتي قادر علي الإقناع، دخلت خلف الستارة بحذر خوفًا من أن تسقط فيكتشف الجميع خارجها أنني أعطيت صوتي... لعلي بدرخان.

الآن سيغضب منِّي خالد يوسف وربما اتهمني بالكذب عليه عندما قلت له إنني سأعطيه صوتي، لكنني والله كنت صادقا عندما وعدته بذلك، لكنني أيضا كنت علي درجة أعلي من الصدق مع النفس عندما انتخبت علي بدرخان، ربما لن يفهم خالد موقفي إلا إذا كان قد وجد نفسه يوما ما مطالبًا بأن يختار بين إعطاء صوته لأستاذه يوسف شاهين لو كان قد خاض انتخابات نقابة السينمائيين مثلا في مواجهة يسري نصر الله (مع يقيني أن الأستاذ يسري مايعملهاش). أشهد لخالد هنا أنه كان راقيا في تعاطيه مع الموقف عندما تأكدت له خسارته، الكل يشهد له كيف ذهب بفروسية إلي علي بدرخان وهنأه ووعده بالوقوف إلي جواره في الجولة القادمة. أعتقد أن جميع من ساند خالد في سعيه لمنصب النقيب يدركون الآن أهمية أن يكون علي بدرخان نقيبا للسينمائيين، ليس لعيب في مسعد فودة لا سمح الله، فالرجل ناجح في موقعه النقابي كسكرتير للنقابة، لكن أبناء النقابة من العاملين في السينما والتليفزيون يحتاجون فعلا إلي علي بدرخان ليكون واجهة مشرفة لنقابتهم تحولها من نقابة تابعة لوزارة الإعلام ووزارة الثقافة إلي نقابة مستقلة وقوية تعيد لهم حقوقهم الضائعة التي يمكن أن تحول نقابتهم إلي أغني نقابة في مصر، تكفي نسبة الواحد في المائة من إيرادات الأفلام السينمائية التي قررها القانون وتحالفت الحكومة مع المنتجين والموزعين لتعطيل الحصول عليها كل هذه السنين، فضلا عن حق الأداء العلني الذي يتمتع به السينمائيون في بلاد العالم المحترم ويحرمون منه في مصر، هذه الحقوق كان يمكن أن نختلف حول ما إذا كان الأقدر علي استعادتها المخضرم علي بدرخان أو القتالي خالد يوسف، لكن الآن أعتقد أنه لا يمكن أن نختلف أن الوحيد المعني بها والقادر علي استعادتها هو الأستاذ علي بدرخان.

صحيح الأستاذ مسعد فودة رجل خدوم يتعامل مع الناس كلها بمودة واحترام، يمكن أن يجده أي عضو نقابة إذا احتاج إليه في عزاء أو كتب كتاب أو عملية عاجلة في مستشفي، هذا صحيح، لكن الذي ليس صحيحا هو كذب البعض وتصويرهم لعلي بدرخان علي أنه رجل ارستقراطي مش فاضي للغلابة والنقابة، حدثتك من قبل عن تجربتي معه أنا وعشرات من السينمائيين الشباب من تلامذته، ويمكنك أن تذهب إلي مركزه الثقافي الذي أنشأه في فيللا بدرخان في شارع استديو الأهرام لتري كيف يخصص وقته للعمل الثقافي التطوعي، لكن الأهم من السؤال عما إذا كان علي بدرخان سيرد علي موبايله أم لا هو أن يجيب أعضاء النقابة عن أسئلة أهم هي: هل أقصي طموحهم أن يحصلوا علي الفتات من حقوقهم، وهل مكتوب عليهم للأبد أن يعيشوا أعضاء في نقابة درجة ثالثة ليس لها صوت عال يستطيع أن يضمن حقوقها المنهوبة؟!، ألا يشعرون بالخجل عندما يدخلون مقرها في شارع عدلي الذي لا يليق أبدا بنقابة غنية مثلها، وكيف يمكن أن ترتاح ضمائرنا جميعا لتخاذلنا في مساندة المئات من زملائنا الذين يعانون بطالة حقيقية في ظل تدهور أحوال السينما والتليفزيون؟!، مع أن هناك ملايين في خزانة النقابة يمكن أن تتضاعف إذا جاء نقيب قوي ليس له حسابات تجعله يبطط النقابة ويجعلها مشلولة لاحس لها ولا خبر، خاصة في وجود أعضاء محترمين في مجلس النقابة يمكن لهم إذا وضعوا أيديهم في أيدي بعض وترفعوا عن المعارك الصغيرة أن يضعوا نقابة السينمائيين في المكان الذي تستحقه.

غدًا سأنتخب علي بدرخان ليس لأنه أستاذي وصاحب فضل عليّ وعلي أجيال من السينمائيين والتليفزيونيين، ليس فقط لأنه صاحب تاريخ مشرق ومشرف يستحق أن نضعه تاجا علي رءوسنا، ليس فقط لأنه مشاغب ومتمرد ومستقل ومحترم، بل سأنتخبه لأن المصلحة المادية المباشرة النفعية لنا جميعا تتطلب أن يكون علي رأس نقابتنا نقيب قوي قادر علي التفاوض وانتزاع الحقوق، نقيب تجده بجوارك عندما تحتاجه في مناسبة اجتماعية أو ظرف طارئ، والأهم عندما تتعرض للتهديد في رزقك ومستقبل صناعتك وحريتك الفنية، وعندما تتعرض مهنتك للتلطيش من اللي يسوي واللي مايسواش.

ختامًا: هناك مقولة فرنسية شهيرة «يجب ألا تسأل الإنسان عن شيئين: دينه وصوته في الانتخابات»، لا أعرف من الذي أطلق هذه المقولة، لكنني أعرف أنني لست فرنسيا، ولذلك لو قابلني أي مراسل تليفزيوني علي سلالم مسرح السلام غدا وسألني «هتدي صوتك لمين النهاردة»، سأقول له بالفُم المليان «سأنتخب الأستاذ علي بدرخان نقيبا للسينمائيين.. والدكتور محمد البرادعي رئيسا للجمهورية».

----

بلال فضل
- «البرادعي» قادر على إنقاذ مصر.. وركوب الأتوبيس ليس شرطا في الرئيس "الدستور" 2010
خلال لقاء مفتوح بالشباب علي هامش معرض الكتاب الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية أمس الأول، قال الكاتب «بلال فضل» إنه عاني فقراً شديداً في بداياته، وقال: «أنا ماكنتش لاقي آكل ولا أشرب ولا لاقي أدفع إيجار الشهر للعشة اللي ساكن فيها، ومش ضامن أساساً حتة أبات فيها وما كانش عندي حتي مكان أستحمي فيه، كنت بروح لواحد صاحبي أستحمي عنده مرة في الأسبوع، وكان لبسي مثار لسخرية زملائي، وأنا بصراحة كنت بفضل اشتري كتاب علي إني أشتري بنطلون»

كما دعا «بلال» الشباب إلي القراءة مداعباً إياهم: «الدنيا مش هتنصلح غير لما تقرأ، وبعدين يا أخي فيه مكتبات عامة، فيه سور الأزبكية، فيه شحاتة كتب، فيه سرقة كتب.. المهم تقرأ»، وقال إن أهله وأقاربه لا يقرأون وأن هذا لا يزعجه، وأنه عندما فكر في عمل برنامج تليفزيوني كان يهدف إلي تقديم رسالة يحث بها الشباب علي القراءة.

وحول رفض الجهات الأمنية ظهوره في برنامج «القاهرة اليوم» ثم السماح له بتقديم برنامج «عصير الكتب» علي قناة «دريم»، قال «بلال» إن الرفض كان لظهوره علي الهواء بدعوي أنه منفلت، وأنهم اشترطوا ظهوره في فقرات مسجلة.

وتحدث «بلال فضل» حول ترشيح «البرادعي» لرئاسة الجمهورية قائلاً: «يقولك لازم البرادعي يعيش مشاكل بلده، وكأنه لازم يلزق فيه خمسة في الأتوبيس عشان يعرف مشاكلنا، وهما اللي حاكمينا عمرهم ركبوا أتوبيس ولا عرفوا مشاكلنا».

ووصف «بلال» منهج «البرادعي» بأنه المنقذ لمصر، وقال إن «زويل» و«البرادعي» في يديهما الخلاص لمصر، وكشف عن فيلم يعد له حالياً حول العالم المصري «أحمد زويل» سيكون من إنتاج قناة «دريم» وإخراج المخرج السوري «حاتم علي» الذي أخرج مسلسل «الملك فاروق» وذلك لتقديم «زويل» كبطل عربي. وانتقد «بلال» عدم قدرة النظام علي ترتيب أولوياته ضارباً مثلاً بالأموال المخصصة للإنفاق علي الأمن، وقال إنها لا تنفق لرفع التقنيات الأمنية لتضاهي الدول المتقدمة وإنما تنفق للتجسس علي النخبة السياسية والإصلاحيين.

كما رفض «بلال» الادعاء بأن الله خص المصريين بما لم يخص به غيرهم، قائلاً: إننا كمصريين لسنا شعب الله المختار وأن كل الشعوب عظيمة، ودعا «بلال» إلي قبول الآخر واحترامه والتوقف عن مهاجمته، قائلاً: «العمر مش بعزقة عشان نضيعه في مهاجمة الناس».

وأضاف أن مشكلة السينما في مصر الإنتاج، حيث يهاجم الناس الأفلام السيئة ثم يدخلونها فيدفعون المنتجين لتكرار إنتاجها.

كما اتهم الناشرين في مصر بسرقة الكتَّاب سرقة علنية، وقال «بلال» إنه سيعود مرة أخري ليعيش في الإسكندرية قريباً حيث ولد ونشأ.

----
- وائل قنديل
-  الطامعون فى تركة البرادعى (2012"الشروق" المصرية

تعامل البعض مع إعلان محمد البرادعى عدم ترشحه للرئاسة أو أى منصب آخر فى ظل المتاهة الانتقالية الحالية وكأنه بيان اعتزال وقطيعة مع المشهد السياسى الراهن.. واستثمر البعض الفرصة لكى يكرس لفكرة أن الرجل يودع الساحة بمهرجان كبير يليق به، متمنيا لو يكف البرادعى عن الكلام والاشتباك مع الوضع الراهن، ولا يقترب منه، وإن اقترب فالأفضل أن يكون ذلك بمفهوم المعارض أو الناقد فقط.

وأظنها حالة من الأسى المصطنع على قرار الرجل بالابتعاد عن المسرحية التى تدور فصولها الآن، تخفى وراءها بهجة مطمورة بخروجه من السباق، ما يؤكد أنه الرقم الصعب فى كل المعادلات السياسية المصرية.

ولعل التركيز على تصوير البرادعى وكأنه فقط معارض من على بعد، ومحاولة الترويج لهذه الفكرة يكشف إلى أى حد لا يزال بعضهم يتمنون لو أنه يختار لنفسه منفى أو ركنا قصيا يتيح له إطلالة محايدة على الساحة.

وإذا كان من حق المتوجسين خيفة من وجود البرادعى أن ينحوا هذا المنحى، فإن الغريب حقا هو هذه الروح الشامتة من أشخاص تحلقوا حول البرادعى عند استقراره فى مصر كما تفعل الفراشات مع المصابيح المضيئة، ومنهم من استثمر حضور الرجل لكى ينتصر على غيابه ويعوض ضآلته فى ميدان السياسة المصرية، من بوابة أنه أحد أعضاء معسكر البرادعى، ومن المتحدثين باسم مشروعه للتغيير.. وقد سمعنا عجبا من بعض الذين قفزوا من سفينة البرادعى ليستقروا على ظهر المجلس الاستشارى ــ آخر ابتكارات المجلس العسكرى ــ بذهابه إلى أن البرادعى قرر الانسحاب لأنه اكتشف أنه بلا شعبية أو قاعدة جماهيرية تمكنه من الاستمرار فى السباق.

ولم يمنح هذا الممتلئ شماتة نفسه الفرصة لكى يرصد الدوى الهائل الذى أحدثته قنبلة امتناع البرادعى عن الاشتراك فى المهزلة، ويحكم على شعبية الرجل أو عدم شعبيته.. غير أنه لم يشأ أن يدع المناسبة تمر دون أن يستثمرها فى التطاول والتجريح فى الرجل، والتشكيك فى نبل مقصده من هذا القرار الكاشف لكل أشكال القبح والتدنى فى التعامل مع الثورة المصرية.

إن كارثة هؤلاء الذين جبلوا على الصفاقة والتصافق أنهم لا يستطيعون أن يتصوروا أن هناك من يتعامل مع السياسة من منظور أخلاقى وقيمى، يجعله يرفض هذا ويقبل ذاك وفق معيار وحيد هو مدى اتساق أو اختلاف المعروض عليه مع حزمة المبادئ والقيم والأفكار التى يؤمن بها، بصرف النظر عن معايير الصفقات والأرباح والخسائر.

لقد كان البرادعى واضحا وهو يعلن عدم خوضه معترك المناصب، بما فيها موقع رئيس الدولة، فى ظل البيئة الفاسدة الراهنة، غير أنه لم يقل إنه سيتوقف عن النضال من أجل إصلاح وتنقية هذه البيئة، على نحو أكثر اشتباكا والتحاما مما سبق، وعندها يمكن الحديث عن خوض أية منافسة على أى موقع.

إن البرادعى لم يغادر ولم يترك الساحة حتى يفكر بعضهم فى تقاسم تركته.

----
- وائل قنديل
- كيان البرادعى (2012"الشروق" المصرية

عندما قرر الدكتور محمد البرادعى ألا يواصل المشاركة فى سباق الانتخابات الرئاسية العبثية، كنت أول من طالبه بحزمة تعويضات سياسية تنقذ تيارا عريضا من المتحمسين لمشروعه من عاصفة من الإحباط استبدت بهم مع إعلان هذا القرار.

وتحت عنوان «مفيش رجوع يا برادعى» كتبت بتاريخ 16 يناير الماضى «ويقينا فإن قرار البرادعى بنفض يديه من هذه المهزلة قد أصاب قطاعا هائلا من محبيه ومؤيدى أفكاره بنوع من الإحباط وخيبة الأمل، وهو ما يفرض عليه التقدم بحزمة تعويضات للذين أودعوا كل مدخراتهم من أحلام التغيير الحقيقى فى شخصه ومشروعه الفكرى والسياسى، بمعنى أن يكون ابتعاده عن معركة انتخابات الرئاسة اقترابا واشتباكا أكثر فى المعركة الأهم وهى استكمال هذه الثورة وإنقاذها من سيناريوهات التفكيك والبعثرة والإجهاض».

ويوم الخميس الماضى كان الموعد بين البرادعى ومجموعة من الشخصيات الوطنية وشباب الثورة من مختلف الاتجاهات، فى خطوة تأخرت بعض الشىء للتداول فيما يحفظ لهذه الثورة قدرتها على الصمود فى مواجهة أشرس محاولات الالتهام والمحو، ويعفى قواها الحقيقية من مصير التشرذم والتفتت والانسحاق تحت وطأة الأمر الواقع، بكل بؤسه وقتامته وعتامته.

كان الحماس مشتعلا فى الصدور للبدء فورا فى إطلاق بناء سياسى جديد جامع مانع بلغة المنطق، جامع لكل القوى الوطنية المؤمنة بالثورة وجدارتها بإكمال المشوار وصولا لتحقيق حلم التغيير، بمفهومه الناصع الساطع، كما بلورته دماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمصابين.. ومانع لنمو بذور الإحباط والإحساس باللاجدوى، التى يجرى نثرها بدقة متناهية فى تربة المجتمع المصرى الآن، بهدف تحويل الثورة من حلم وطنى كبير بمصر جديدة، إلى مجرد حركة معارضة يتم حصارها إعلاميا وأمنيا تمهيدا لتوجيه ضربة قاضية لها.

وعليه فإنه فى هذه اللحظة الملتهبة يصبح نوعا من الترف الحديث عن مجرد «كيان» سياسى دون تحديد هويته وشكله ومحتواه وآلياته، ذلك أنك فى مواجهة واقع يجرى تكريسه وفرضه بإيقاع شديد السرعة، لا تملك رفاهية التجريد والإبهام، باستخدام مفردات فضفاضة، تشى أكثر مما تقول، وتلمح أكثر مما تصرح.

ولذا فإن المطلوب من وجهة نظر متواضعة ليس أقل من حزب سياسى يضم تيارا عريضا من كافة التيارات والقوى السياسية التى اصطفت خلف مشروع محمد البرادعى حين دخل معترك السياسة المصرية عام 2009 مطلقا صيحته الشهيرة «آن وقت التغيير»، وهى الصيحة التى تعامل معها نظام مبارك باستخفاف وابتذال لا حدود لهما، لكنها تجسدت على أرض الواقع فى تيار مصرى جارف استوعب مختلف الأطراف والأطياف وتمدد أفقيا، وتعمق رأسيا، مقلبا التربة المصرية لتخرج أفضل وأجمل ما فيها، وينتهى المطاف بجوهرة غالية اسمها ثورة 25 يناير التى اجتثت شجرة الاستبداد والفساد.

وإذا كانوا قد نجحوا جزئيا فى تشويه الثورة، وتفريغها من محتواها الحضارى والاجتماعى الجميل، فإنه يصبح واجبا على الجميع الآن استعادة تلك الحالة العبقرية من الاصطفاف والتوحد والارتقاء فوق الاختلافات الثانوية الصغيرة، وصولا للاحتشاد مرة أخرى وراء قيم الوطنية المصرية الحقيقية، قبل أن يبتلعنا الطوفان.

وأزعم أننا نستطيع، وننتظر صافرة الانطلاق.

----


- وائل قنديل
(محرقة) البرادعى و(ملعبة) الدستور الأربعاء 4 يناير 2012

بدأت المحرقة من جديد، بلا أى جديد يذكر حيث يبقى محمد البرادعى بما يمثله من رمزية ثورية هدفا للقنص والقصف، مطلوب رأسه إذا تكلم، وإذا صمت، غير أن المدهش فى المسألة أن حالة الذعر من الرجل تتفاقم وتتضخم كلما كان صامتا.
لكن المحرقة تمتد وتتوسع لتطول كل شىء، بما فى ذلك ما اعتبروه مقدسا لا يجوز الاقتراب منه أو المساس به، وأعنى ذلك الإعلان الدستورى الذى يجرى التعامل معه وكأنه سيارة متعطلة كل يوم يضيفون لها قطعة ويقضمون قطعة، يعيدون دهانه وطلاءه بين وقت وآخر بألوان جديدة، بمفهوم صاحب الورشة الذى يتصور أنه يمتلك القدرة والحق فى أن يحول السيارة إلى حقل تجارب، يمارس فيها هوايته ومهارته فى الفك والتركيب والتجميع والترقيع، يضع علامة مرسيدس على بودى زاستافا ويتصور أنها ستطير.
وآخر تسريبات الورشة تقول إن هناك تفكيرا فى إجراء تعديل على السيارة تسمح بإسناد قيادتها للدكتور أحمد زويل عالم الفيزياء الشهير الحاصل على نوبل، والجنسية الأمريكية، والمتزوج من غير مصرية.
ولو صح أنهم يعتزمون فك وتركيب الإعلان الدستورى مرة أخرى بما يسمح للدكتور زويل بالترشح من خلال حذف أو تعديل المادة 26 الخاصة بمواصفات وشروط المترشح لرئاسة الجمهورية، فإننا نكون قد فتحنا «الملعبة» بجوار «المحرقة» فالمادة المذكورة تقول «يشترط فيمن يُنتخب رئيساً للجمهورية أن يكون مصريًا من أبوين مصريين، وأن يكون متمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية، وألا يكون قد حمل أو أى من والديه جنسية دولة أخرى، وألا يكون متزوجًا من غير مصرية، وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية «ولعلك تذكر أنه مع صدور الإعلان الدستورى ثار جدل صاخب حول هذه المادة، واعتبر كثيرون أنها جاءت لتقطع الطريق أمام ترشح شخصية بحجم الدكتور زويل، وكانت محل استغراب واستهجان المراقبين والمعلقين، لكن كل ذلك لم يكن كافيا لكى يعيد المجلس العسكرى النظر فى هذه المادة، على اعتبار أن الإعلان الدستورى مقدس لا يجوز الاقتراب منه.
ومع تصاعد الضغوط الشعبية للتبكير بتسليم السلطة والشروع فى إجراء انتخابات رئاسية، تبدلت الأحوال وتغيرت لغة القطع والحسم، وبدا كما لو أن هذا الإعلان الدستورى مجرد مبنى متعدد الاستخدامات، حسب أهواء المدير، يفتحه كمقهى أو يحوله إلى فرن بلدى، أو صالة بلياردو، كيفما يشاء وفى الوقت الذى يريد.
ولو حدث وتم التعديل فى مادة رئيس الجمهورية، بتقنية «الفيمتو ثانية» نكون أمام دليل دامغ على أن المرحلة الانتقالية تمضى بأسلوب «الإدارة بالتهريج» مع كامل الاحترام لشخص الدكتور زويل وقيمته العلمية.
ويبقى الثابت الوحيد فى القصة كلها أن محمد البرادعى يظل هدفا للنشان والتصويب طوال الوقت، بما يمثله من معنى للتغيير الحقيقى، هدما وبناء سليما، بينما هم يفضلونها مجرد طلاء لواجهة بيت خرب ومسكون بعقارب وخفافيش الفساد من الداخل.. لكن ما يحيرك أكثر أن يبقى البرادعى هادئا ومبتعدا في لحظة وجب فيها الكلام والاقتحام.

----
- وائل قنديل
- الحرب الثانية ضد البرادعى (نوفمبر2011"الشروق" المصرية بالطريقة ذاتها ووفقا للكتالوج القديم بدأت العملية الثانية لاغتيال محمد البرادعى، سياسيا ومعنويا، والجديد هذه المرة أن المشاركين فى التنفيذ كانوا محسوبين على الثورة حتى قذفت بهم الأمواج إلى شاطئ «العسكرى» فصاروا عسكريين أكثر منه.

فى الحرب الأولى ضد البرادعى نشط كتبة حكوميون وساقطو قيد من السياسيين الفاشلين، وكائنات حزبية منقرضة جنبا إلى جنب مع أجهزة الأمن القمعية، وأجهزة الإعلام البوليسية، ليوجه هذا الكورس العجيب سلسلة من الضربات العنيفة ضد العائد إلى مصر مبشرا بالتغيير والإصلاح السياسى والانعتاق من حكم بليد متكلس متصلب الشرايين متيبس المفاصل.. كان البرادعى فى ذلك الوقت أول شخص يقول لحسنى مبارك إنك لا تصلح لقيادة مصر وإن ساعة التغيير قد دقت، معلنا بوضوح أنه جاء لتحرير الرئاسة المصرية من أسر الرجل الواحد وولده من بعده.

وسوف يذكر التاريخ أن البرادعى كان أول من هز شجرة التغيير فتساقطت الثمار على الأرض بعد أن كانت معلقة فى الفضاء، حيث عرف المجتمع المصرى حركة منتظمة على طريق التغيير تبلورت فى الجمعية الوطنية للتغيير التى ضمت كل ألوان الطيف السياسى من إسلاميين وليبراليين وناصريين وقوميين وأقباط، وبدا لأول مرة مصر تستطيع صناعة التغيير.

ولن ينسى التاريخ ــ حتى وإن تناسى الإخوان ــ أن البرادعى بعد عودته إلى مصر دافع عن حق جماعة الإخوان فى المشاركة فى الحياة السياسية المصرية، فى الوقت الذى لم يكن فيه كثيرون يجرؤون على ذكر اسم الجماعة دون إلحاقه بكلمة «المحظورة».

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ذلك كله كان المقدمة الطبيعية لاندلاع ثورة 25 يناير ليعترف الجميع بأن الشرارة الأولى كانت ظهور شخص على الساحة اسمه محمد البرادعى أعلن صراحة فى خريف 2010 أن التغيير قادم فى غضون شهور معدودات وأن مليونية واحدة قادرة على إسقاط حسنى مبارك.. وقد كان.

وأغلب الظن أن مجريات الأحداث طوال العامين الماضيين تجعل «البرادعى فوبيا» مسيطرة على كل رافض لفكرة التغيير إلى الآن حتى وإن ادعى أنه مع الثورة وحاميها، ومن هنا لا أستغرب أبدا اشتعال الحرب ضد البرادعى من جديد لأنه يتحدث بصراحة عن حتمية تسليم السلطة لإدارة مدنية تنهى هذا الفاصل الطويل من العك والارتباك.

والجديد هذه المرة أن مهمة تصفية البرادعى سياسيا انتقلت من صبية الأمن إلى بعض من كنا نعتبرهم كبارا فى خلافهم، لكنهم من أسف لم يتورعوا عن التحريض ضد الرجل على مائدة المجلس العسكرى، يستوى فى ذلك المرشح المحتمل الغارق فى أوهام «الشعبوية» أو ذلك المستثمر فى مقاولات الثورة.

غير أن الغريب فى المسألة أن يتم استخدام اسم «الإخوان المسلمين» كذريعة لرفض مطالب متصاعدة فى ميادين مصر تريد البرادعى رئيسا لحكومة إنقاذ وطنى، ومصدر الغرابة أن الإخوان الذين وضعوا أيديهم فى يد البرادعى بعد أن دافع عن حقهم فى الوجود الشرعى ضمن معادلات التفاعل السياسى يلوذون بالصمت أمام ما ينسبه المجلس العسكرى عن موقفهم من البرادعى، رغم أن الصمت يعنى رضا، والرضا يعنى أنهم ضجوا بالميدان ورموزه بعد أن حصلوا على مرادهم.

فى الحرب الأولى انهزم الشتامون الكذابون وانتصرت الثورة.. ولسوف تنتصر.

----

- وائل قنديل
- شكرا محمد البرادعى (2010) "الشروق" المصرية
أما وقد أتت الثورة ثمارها، واستطاع المصريون إزاحة نظام صغرت به ومعه مصر، وهلت بشائر مستقبل أفضل، واحتفل الثوار بانتصارهم، فمن المهم الآن، بل ومن الضرورى والواجب أن نتحدث عن محمد البرادعى، هكذا بدون ألقاب، باعتباره رمزا وعلامة وطنية مسجلة بحروف من نور.

لقد اختلفت مع البرادعى وانتقدته بحدة أحيانا، حينما بدا لى فى أوقات أنه غير مشتبك، وغير مقتحم، وغير عاصف فى معركة التغيير.

انتقدته على أرضية أنه الشخص الذى بعث حلم التغيير فى النفوس الظمأى للخلاص من الفساد والاستبداد، وباعتباره سقراط الثورة الذى أنزل فكرة التغيير من السماء إلى الأرض، لكنه اهتم بدور الملهم والمؤذن أكثر، كان أقرب إلى سقراط وغاندى بينما كان كثيرون وأنا منهم يريدونه جيفارا وجاريبالدى.

كان الغضب من هدوء البرادعى بقدر الثقة فى أنه الفرصة الذهبية والوحيدة لإحداث تغيير حقيقى، وإنهاء حالة التيبس التى ضربت مصر فى مفاصلها، ومن ثم كان الاستعجال يدفع بعض الملتهبين حماسا لصناعة التغيير فى التو واللحظة لاتهامه بعدم الجدية.

غير أن الموضوعية تقتضى الآن القول إن ملايين الشباب الذى ثاروا وخرجوا لاستعادة مصر من خاطفيها كانوا فى معظمهم نتاجا طبيعيا لحالة الحراك والتفاعلية التى أحدثها محمد البرادعى ودعوته للتغيير ونزوله إلى الشارع فى مناسبات ليست كثيرة، إلا أنها كانت بالغة الأثر فى كسر حاجز الخوف، وهدم جدران الإحساس باللاجدوى، وعليه اكتسبت الجماهير الحالمة بالتغيير مهارة النزول إلى الشارع، ومخاطبة قطاعات عديدة من الشعب تفاعلت مع بيان التغيير والمطالب السبعة.

وأظن أن المليون توقيع على بيان البرادعى كانت حاضرة يوم 25 يناير، بعد أن قفزت من الفضاء الإلكترونى على أرضية ميدان التحرير وكافة شوارع وميادين مصر، لتثبت أن مشروع البرادعى للتغيير كان واقعا حقيقيا وليس شيئا افتراضيا وعنكبوتيا، كما بنى منظمو حملة اغتيال البرادعى سياسيا وأخلاقيا حملتهم.

وأذكر اننى فى 8 نوفمبر الماضى علقت على حالة الإحباط التى بدت على بعض المنضمين لمعسكر البرادعى نتيجة غيابه عن مشهد الانتخابات البرلمانية العبثية الفضائحية، ووقتها غضب منى بعضهم فقلت حرفيا «يبقى أن على السادة الأفاضل الذين اعتبروا الاقتراب من مناقشة حدوتة البرادعى نوعا من التحبيط والتثبيط أن يقارنوا بين حالتهم عندما يكون البرادعى موجودا فى مصر ومشاركا، وبين حالتهم عندما يسافر ويبتعد.. ويستعذب الابتعاد والنظر على المشهد من هناك.. وساعتها سيدركون من أين يأتى الإحباط؟».

وأزعم أننا مدينون باعتذار للبرادعى الآن، على ما اعتبرناه يوما عدم جدية فى المشاركة فى مشروع التغيير، ذلك أنه ثبت أن الرجل كان وراء حرث التربة وتمهيدها ونثر البذور فيها، وريها حتى اخضرت ونمت وترعرعت وأثمرت.

ومن ثم فإن أى لغو عن دخول البرادعى على الخط وركوب الأمواج وقطف الثمار هو نوع من الثغاء الذى يمارسه أرامل أحمد عز وجمال مبارك.

وإذا كان البرادعى قد أعلن صراحة أنه لا ينوى الترشح لانتخابات رئاسية تجرى فى مصر وأن الرئاسة ليست فى تفكيره، فإننا نطلب منه أن يعيد النظر فى قراره، لأن مصر فى حاجة إليه، الآن وغدا.

----

- وائل قنديل
- البرادعى الوحيد القادر على احباط مشروع التوريث(2010) "الشروق"
http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=292740

----

- وائل قنديل
- الوجه الآخر للبرادعى (2010) "انقاذ مصر"
هذه أخطر تصريحات للدكتور محمد البرادعى منذ أن دخل فى أتون السياسة الداخلية «السنة القادمة ستكون حاسمة.. سيكون هناك تغيير فى الحكم فى مصر قد يأتى بعد شهور أو عام.. العام القادم عام حاسم إذا نزلنا فى مظاهرة بالشارع فستكون الأولى والأخيرة فى عمر النظام السياسى.. فالعصيان المدنى الورقة الأخيرة وهى ورقة لا نود أن نستعملها ولكن لابد من استعمالها إذا لم يستجب النظام».
نحن إذن أمام تحول مذهل فى لغة البرادعى وخطابه السياسى، ولابد أن هذه هى النغمة التى كان يفتقدها جمهور البرادعى فى عزفه السياسى، إذ كان كثيرون يعتبرونه أقل اقتحاما ومبادأة مما يجب أن يكون عليه رجل قرر أن يخوض معترك التغيير.
البرادعى هذه المرة يغير طريقة اللعب ويعتمد تكتيكا هجوميا صريحا، ويودع تلك الطريقة الدفاعية التى تؤدى فى الغالب إلى نتائج صفرية فى أفضل الأحوال، بحيث يكون التعادل هو عنوان المباراة.
وأظن أن البرادعى لم يتوان فى استغلال الهدية الثمينة التى قدمها له خصومه على طبق من ذهب وأعنى تلك المحاولة البائسة للنيل منه باستهدافه هو وعائلته أخلاقيا ودينيا، وهى ضربة غبية فى توقيتها ونوعيتها ومن ثم جاءت بنتائج عكسية، فهى من ناحية جعلت البرادعى أكثر إصرارا وشراسة وروحا قتالية، ومن ناحية أخرى ضاعفت من رصيده ورفعت نسبة مؤيديه واستدعت فئات جديدة للانخراط فى معركة التغيير، بعد أن لمس الناس كيف تدنت أساليب المنافسة إلى هذا الدرك المنحط من الأسلحة وفنون الحرب غير الأخلاقية بالمرة.
باختصار شديد سجل خصوم البرادعى هدفا قاتلا فى مرماهم وفى توقيت مميت، أو قل هى أشبه بقصة الأسلحة الفاسدة التى ترتد إلى صدر مستخدميها.
غير أن الجدير بالتوقف عنده هو ذلك اليقين الذى يتحدث به البرادعى، مؤكدا بلغة واثقة قدرته على إنجاز التغيير فى نظام الحكم خلال عام أو بعض عام، ولا أظن أن الرجل يرجم بالغيب أو يمعن فى تفاؤل بلا حدود، فالرجل كما قال عنه نفسه متبحر فى القانون وعلم الدساتير ويدرك ما يقول، بل أنه يعلن وبلا مواربة أن التغيير ممكن دونما نزول إلى الشارع وفقا لآلية العصيان المدني، الذى يعتبره الدواء المر الذى لا يريد استخدامه إلا إذا اضطره النظام لذلك.
إلا أنه وبعيدا عن الإعجاب أو عدم الإعجاب بما يطرحه الرجل فإن المؤكد أنه هذه المرة يرفع سقف أحلام وطموحات وتوقعات الجماهير الباحثة عن التغيير، وأحسب أن أقواله فى إفطار حملته الرمضانى بمثابة تعهد أو صيغة تعاقدية بينه وبين الجموع على إنجاز مشروع التغيير، وعليه فإن البرادعى مطالب من الآن فصاعدا بالتواجد بشكل أطول والاشتباك مع مفردات الواقع السياسى بصورة أوضح، والانخراط فى اللعبة السياسية على نحو أعمق.
باختصار غير مخل يمكنك القول أن قطار البرادعى انطلق الآن بالفعل، فيما كان كل ما سبق بمثابة اختبارات للتربة قبل أن يقرر نثر بذوره وغرس فسائل التغيير فيها.
لكن المهم أن يدرك الدكتور البرادعى أنه من الآن فصاعدا سيكون فى مرمى نيران كثيفة، بعضها طائش وبعضها يطلقه قناصة محترفون

----

- فهمى هويدى
- ضغينة الدكتور البرادعي (2009) "الرؤية الكويتيه"
مشكلة الدكتور محمد البرادعي أنه طالب بإصلاح سياسي حقيقي في مصر، وأنه شكك في إمكانية إجراء انتخابات رئاسية نزيهة في ظل الأوضاع الراهنة.

إن شئت فقل إن مشكلته أنه أخذ الموضوع على محمل الجد، في حين أن ثمة توافقا ضمنيا على غير ذلك بين المشاركين في اللعبة السياسية، بمقتضاه تقوم في مصر مؤسسات شبيهة بتلك التي تتوافر للدول الديموقراطية. ولكنها ليست مثيلة لها بالضبط. بحيث يستوفى الشكل وتغيب الوظيفة.
والفرق بيننا وبينهم في هذه الحالة هو ذاته الفرق بين النظام الديموقراطي والفيلم الديموقراطي.

البيان الذي أصدره المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية وعرض فيه للمواصفات، التي ينبغي أن تتوافر لأي انتخابات رئاسية حقيقية خيب آمال بعض الذين رحبوا به في البداية.

أعني أولئك الذين أرادوا له أن يكون أحد المشاركين في «الفيلم» المراد إنتاجه. ذلك أن المطلوب منافس محترم وقوي، لكي ينهزم أمام مرشح الحزب الوطني، سواء كان الرئيس مبارك أو ابنه.
وفي هذه الحالة ينجح الإخراج في أن يصور الفيلم على نحو أفضل. لكن الرجل فيما صدر عنه بدا معتذرا عن التمثيل. ورفض أن يستخدم كـ«دوبلير» للبطل المنتظر. ليس ذلك فحسب، وإنما كشف أيضا عن العورات التي أريد لها أن تظل مستورة، ونكأ جراحا مسكوتا عنها، أريد للزمن أن يداويها، وأن تظل في طي النسيان طول الوقت.

ولذلك استحق الهجوم الذي شنته عليه أبواق موالاة الحكومة والحزب الوطني. وهو هجوم لم ينتقد الأفكار التي طرحها فحسب، ولكنه تحول إلى حملة تجريح لشخصه، اتهمته بأنه رجل «مستورد» ومحسوب على الأميركيين ومعدوم الخبرة السياسية.
وذهبت إلى حد التشكيك في وطنيته، والادعاء بأنه «مازال يحمل ضغينة لبلاده» هكذا مرة واحدة (!)

أغلب الأقلام التي هاجمته كان أصحابها ممن احتفوا بالرجل وتباهوا به حين حصل على جائزة نوبل، كما عيرَّ به بعضهم أشقاءنا العرب حتى قال قائلهم ذات مرة:
كم واحدا عندكم حصل على جائزة نوبل؟
لكنه بما تكلم استحق الآن أن يدرج اسمه في القوائم السوداء. وهذا التحول من الحفاوة إلى الهجوم ليس مصادفة، ولكنه لم يتم إلا بعد إطلاق الضوء الأخضر، الذي ما إن تلقته الصحف القومية حتى شنت حملتها ضده. وكان ذلك واضحا في تعليقات رؤساء تحرير تلك الصحف.

آية ذلك أننا وجدنا أن صحيفة «الأهرام» نشرت ملخصا للبيان الذي أصدره في الطبعة الأولى لعدد الجمعة 4 ديسمبر تحت عنوان يقول:
«البرادعي يحدد موقفه من الترشح لانتخابات الرئاسة»،
وهو عنوان موضوعي ومهني. لكن حين صدرت الإشارة الخضراء فإن العنوان تغير في الطبعة الثانية بحيث أصبح سياسيا وهجوميا. فأصبح كالتالي:
البرادعي يطالب بانقلاب دستوري لترشيح نفسه للرئاسة!

الملاحظات التي أبداها البرادعي ودعا فيها إلى توفير شروط النزاهة للانتخابات لا تختلف في جوهرها كثيرا عن تحفظات رموز الجماعة الوطنية في مصر، إلا أن الحملة المضادة شددت على حكاية الانقلاب الدستوري، وادعت أن الرجل يريد أن يفرض شروطه على المجتمع لكي يترشح للرئاسة.
علما بأن الذين عدلوا 34 مادة في الدستور دفعة واحدة، ومرروها على مجلس الشعب في خمس دقائق، هم الذين أحدثوا الانقلاب على الدستور، وعبثوا بالشرعية المنقوصة، التي يستبسلون في الدفاع عنها الآن.

إن أسوأ ما في الحملة الراهنة أنها تقنعنا بأنه في ظل الوضع القائم لا أمل في أي إصلاح سياسي، وأن من يريد أن يشارك في العملية السياسية عليه أن يقبل بالمشاركة في التمثيلية، التي تزوّر العملية الديموقراطية وتفرغها من مضمونها. وهو ما يضعنا أمام مفارقة مثيرة.
خلاصتها أن الأصوات الوطنية في مصر تطالب النظام القائم بأن يصحح نفسه بحيث يبادر إلى إجراء الإصلاح،
ولكن أبواق النظام ورموزه تصر على إغلاق هذا الباب، على نحو يدفع الجماعة الوطنية إلى عدم التعويل عليه في ذلك.

وهو موقف لا يرتب إلا نتيجة واحدة هي أن تراهن تلك الجماعة على بديل آخر قد يرجى منه الخير المنشود.
إن الدبة التي قتلت صاحبها باسم الغيرة عليه لم تفعل أكثر من ذلك!

----

- فهمى هويدى
- البرادعى محظورًا (2010) "الشروق" المصرية
معلوماتى أن توجيها صدر بمنع استضافة الدكتور محمد البرادعى على شاشة القنوات التليفزيونية المصرية، الحكومية و«المستقلة»، وأن هذا التوجيه دخل حيز التنفيذ فى الأسبوع الماضى.
وكانت إحدى القنوات المستقلة قد اتفقت مع الرجل على إجراء حوار معه يوم الأربعاء 26/5، وبعد الانتهاء من جميع الترتيبات الإدارية والفنية، جاءت التعليمات الفوقية فى اللحظة الأخيرة بإلغاء كل شىء. ولم تكن هناك فرصة للمناقشة أو المراجعة، فتم الاعتذار له وصرف النظر عن الموضوع.
لا أعرف من الذى أصدر التوجيه، لأن المصادر «الفوقية» متعددة، كما أننى لا أعرف كيف علمت تلك «المصادر» بأن الدكتور البرادعى سيظهر فى برنامج إحدى القنوات «المستقلة».
ثم إن ما جرى يثير سؤالا آخر حول ما إذا كان ظهوره سابقا فى عدد من تلك القنوات قد تم بموافقة الجهات العليا، أم أن تلك الجهات لم تكترث بالأمر فى البداية، ولكنها أدركت لاحقا أن تمكينه من مخاطبة الناس من خلال التليفزيون أحدث أثرا لم يكن مرحبا به، ومن ثم تقرر إغلاق هذا الباب فى وجهه.
أغلب الظن أن تلك المراجع أدركت أن غياب الدكتور محمد البرادعى خارج مصر كان مريحا لها من عدة أوجه. ذلك أنه بغيابه أوقف «الصداع» الذى سببه لها، سواء بتحركاته أو تصريحاته. ولم يكن كلامه مصدر القلق الوحيد، ولكن أيضا لأن رصيد الرجل وسمعته الدولية أوقعا أجهزة السلطة فى حرج شديد، من حيث إنها لم تكن راضية عن تصرفاته،
وفى الوقت نفسه فإنها وجدت نفسها غير قادرة على «القيام بالواجب» لاسكاته. ونحن نعرف جيدا أن لدى تلك الأجهزة أساليب عديدة تمكنها من القيام بذلك «الواجب».
من ناحية أخرى، فإن غيابه أفقد دعوته إلى التغيير قوة دفعها، وأثر على حجم الاستجابة لها خارج القاهرة. بل إنه أثر أيضا على تماسك فريق العمل الذى يحيط به، إذ أتاح للتباينات واختلاف الاجتهادات والطموحات بينهم أن تظهر وتكاد تتحول إلى «شروخ» انعكست على آراء بعضهم وكتاباتهم.
هذه العوامل التى ترتبت على غياب الدكتور البرادعى اعتبرت من وجهة نظر المراجع العليا «إيجابيات» أثرت سلبا على دعوته ومشروعه، مما شجعها على أن تسعى من جانبها إلى تغييبه، وكان حظر ظهوره على شاشات التليفزيون، التى تعد أقوى وأهم وسائل التأثير، هو السبيل إلى ذلك. باعتبار أنه إذا كان الحصار الأمنى وتقييد الحركة محرجا ومتعذرا، فإن التعتيم الإعلامى عليه يحقق بعض المراد، ويعطى انطباعا لدى الرأى العام بأن الرجل لايزال مسافرا، وأنه خرج ولم يعد إلى أهله!
هذا التطور يثير ثلاث قضايا على الأقل.
من ناحية فإنه بمثابة دعوة إلى الجميع فى مصر لعدم تصديق ما يقال عن أن قنوات التليفزيون مفتوحة على مصراعيها لجميع الاتجاهات، لكى تعلن عن نفسها وتقدم آراءها للجمهور «الحبيب»(!)، وهو الكلام الذى ما برح المسئولون يرددونه هذه الأيام بمناسبة انتخابات التجديد النصفى لأعضاء مجلس الشورى، فى سياق تأكيدهم على الحياد والنزاهة والشفافية وسقف الحرية غير المسبوق.
من ناحية ثانية، فإن ما حدث ينبهنا إلى أنه طالما أن البلد له «صاحب» فالإعلام له «صاحب» أيضا. بمعنى أن ما نعتبره برامج «جريئة» ومتجاوزة للخطوط الحمراء، ليست كذلك فى الحقيقة. بالفعل، ولكن تلك الجرأة وذلك التجاوز من مقتضيات إحسان الإخراج واتقان إدارة اللعبة الإعلامية الخاضعة للتوجيه وتوزيع الأدوار.
القضية الثالثة تتعلق بالنتائج المترتبة على دخول رجال الأعمال فى الساحة الإعلامية. ذلك أن دخولهم حدث بعدما أسس كل واحد منهم إمبراطوريته المالية الخاصة ولأن تلك لها مصالحها الكثيرة مع السلطة، فإن أصحابها يحرصون على عدم إغضابها، لأن السلطة تملك إيذاءهم وتستطيع لى أذرعهم وربما رقابهم أيضا بسهولة بالغة.
(لا تنس سلاح القروض والمديونيات). من ثم فهم لا يستطيعون رفض التوجيهات التى تصل إليهم لأنهم يعلمون جيدا ثمن ذلك الرفض. وهو ما يفسر الاستجابة السريعة من جانب القناة الخاصة وصاحبها لقرار منع ظهور الدكتور البرادعى على الشاشة وإدراجه ضمن القائمة الطويلة من المحظورين.

----

- فهمى هويدى
- عن استقبال البرادعى: انكشفت أزمة السياسة فى مصر (2010) "الشروق" المصرية
انكشفت أزمة السياسة فى مصر إذا جاز لنا أن نصف المشهد السياسي فى مصر الآن فقد نلخصه فى نقطتين، الأولى أن قطاعات لا يستهان بها من النخب ومن الأجيال الجديدة يئست من المراهنة على إمكانية الإصلاح فى ظل الوضع القائم، والثانية أنها باتت تتلهف على رؤية “المخلص” الذى يرد لها الأمل والثقة فى المستقبل.
ــ1ــ
هذه اللهفة بدت واضحة فى خطاب أغلب الصحف المستقلة وقنوات التليفزيون الخاصة فى مصر، الذى عبر عن حفاوة غير عادية بوصول الدكتور محمد البرادعى يوم الجمعة “19/2”، الأمر الذى يكاد يعيد إلى الأذهان الأصداء التى شهدتها مصر حين عاد إليها زعيم الأمة سعد باشا زغلول من باريس فى عام 1921.
حين كتب الأستاذ العقاد أن سعد “ملك ناصية الموقف من ساعة وصوله (بالباخرة) إلى شاطئ الإسكندرية، وثبت فى عالم العيان لمن كان فى شك من الأمر إن هذا الرجل أقوى قوة فى سياسة مصر القومية”.
وتساءل الدكتور محمد حسين هيكل قائلا: “أقدر للإسكندر الأكبر أو لتيمور لنك أو لخالد بن الوليد أو لنابليون بونابرت أن يرى مشهدا أجل وأروع من هذا المشهد؟”.
وهى ذات الفكرة التى سجلها شفيق باشا فى “حولياته” حين قال: “لقد روى لنا التاريخ كثيرا من روايات القواد والملوك الذين يعودون إلى بلادهم ظافرين، فيحتفل القوم احتفالا باهرا باستقبالهم. ولكن لم يرد لنا التاريخ أن أمة بأسرها تحتفل برجل منها احتفالا جمع بين العظمة غير المحدودة والجلال المتناهى لم يفترق فيه كبير عن صغير، احتفالا لا تقوى على إقامته بهذا النظام أكبر قوى الأرض، لولا أن الأمة المصرية أرادت أن تأتى العالم بمعجزة لم يعرف لها التاريخ مثيلا”.
صحيح أن كتابات الحفاوة التى صدرت هذه الأيام لم تذهب إلى هذا المدى فى الترحيب بالدكتور البرادعى والإشادة به، إلا أنها اختلفت عنها فى الدرجة وليس فى النوع. وهو ما يغرينا بالمقارنة بين الحدثين لأن ثمة تباينا بينهما من أكثر من وجه.
ذلك أن سعد باشا كان زعيما حقيقيا انتخبته الأمة وأجمعت عليه ووكلته عنها فى تمثيلها فى مقاومة سلطة الاحتلال البريطاني والتفاوض معها. وكان الرجل على مستوى الأمل الذى انعقد عليه، حيث لم يهدأ فى نضاله ضد الإنجليز وتحديه لهم، الأمر الذى أدى إلى تفجير الثورة ضدهم عام 1919، مما دفعهم إلى إلقاء القبض عليه ونفيه مع عدد من رفاقه إلى مالطة، بما يعنى أن سعد زغلول كان قد اختير وأثبت جدارته بسجله النضالى الذى أثبته على الأرض، كما كان قد دفع ثمن مواقفه، لذلك فإن حيثيات الإجماع عليه كان مسلّما بها من جانب القوى السياسية المختلفة فى مصر.
الوضع فى حالة الدكتور محمد البرادعى اختلف. فهو مرشح افتراضي لرئاسة الجمهورية من جانب أغلب نخب الجماعة الوطنية المصرية، غير المنخرطة فى الأحزاب المعتمدة، وهى النخب التى ضاقت بممارسات النظام ولم تعلق أملا على الأحزاب التى صنعها النظام على يديه وأجازها.
أما الدكتور البرادعى ذاته فإنه يتمتع بخلفية وظيفية مشرفة ومرموقة، ومستقبله السياسى فى مصر أمامه، بخلاف سعد زغلول الذى كان فى قلب السياسة، واحتل موقعه استنادا إلى خلفيته النضالية.
فى ذات الوقت، لا وجه للمقارنة بين قوة السياسة فى زمن سعد زغلول، وبين موتها فى زماننا، وإن ظل الرفض قاسما مشتركا فى الحالتين، أعنى رفض الاحتلال البريطانى آنذاك، ورفض نظام الطوارئ المحتكر للسلطة فى هذا الزمان.
ــ2ــ
السؤال الذى يستحق أن نفكر فيه هو: لماذا تلك الحفاوة الشديدة باستقبال وترشيح رجل مثل الدكتور البرادعى رغم زعامته المفترضة وليست الحقيقية، وخلفيته الوظيفية المقدرة وليست النضالية؟.
أرجو ألا يخطر على بال أى أحد أننى استكثر على الرجل أن يحتفي به فى بلده. وأسجل فى الوقت ذاته شعورى بالنفور والقرف إزاء حملة التجريح المسف التى استهدفته وقادتها بعض الأبواق المحسوبة على النظام فى مصر.
وإذ أقر بأن الحفاوة به واجبة، إلا أن تساؤلي منصب على دلالة المبالغة فى تلك الحفاوة، إلى الحد الذى يكاد يضع الرجل فى مقام “المخلِّص” المنتظر للوطن، فى تفسير ذلك هناك عدة احتمالات، أحدها أن البعض انحاز إليه وتعلق به لا لأنه البرادعى ولكن لأنه ليس مبارك الأب أو الابن.
تماما كما أن كثيرين أعطوا أصواتهم لباراك أوباما فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليس إعجابا بالشخصية ولكن لأنه ليس جورج بوش. هناك احتمال آخر أن يكون بعض مؤيديه، ليست لديهم تحفظات على النظام القائم ولكنهم أدركوا أنه لم يعد لديه ما يعطيه بعد مضى نحو 30 سنة على استمراره، ومن ثم فإنهم أصبحوا يتوقون إلى تغييره بأى بديل آخر، وجدوه فى البرادعى من حيث إنه شخصية دولية مرموقة.
ثم إننى لا أشك فى أن هناك فريقا من الناس استشعروا مهانة حين وجدوا أن فكرة توريث الحكم فى بلد بحجم وقيمة مصر أصبحت متداولة بغير حرج، ولذلك فإنهم ما إن وجدوا بديلا محترما مطروحا فى الأفق، حتى تعلقوا به وخرجوا يهتفون باسمه.
من تلك الاحتمالات كذلك أن يكون البعض قد وجدوا أن النظام القائم فى مصر حرص على التلويح طول الوقت بأنه لا بديل عنه، وأن البديل الذى يمكن أن يحل محله هو الإخوان المسلمون، الذين أصبح اسمهم بمثابة “فزاعة” تخيف فئات عدة فى الداخل والخارج، وحين وجد هؤلاء أن هناك رمزا لا هو من الحزب الوطنى ولا من الإخوان، سارعوا إلى الاصطفاف وراءه ومبايعته.
من الاحتمالات كذلك أن يكون آخرون قد أدركوا أن ثمة فراغا سياسيا فى مصر، وأن النظام القائم حريص على الإبقاء على ذلك الفراغ عن طريق مصادرة أو “حرق” أى بدائل متاحة، لكى يصبح الحزب الوطنى ومرشحه هو الخيار الوحيد الباقى. وإزاء حصار البدائل الممكنة واستمرار إجهاض الحياة السياسية، فإن هؤلاء ما إن وجدوا أن رمزا مصريا أتيح له أن يبرز فى خارج البلد ويتمتع بقامة ومكانة رفيعتين بعيدا عن نفوذ النظام وتأثيراته، حتى اعتبروه فرصة لا تعوض، ومرشحا مناسبا لقيادة السفينة الموشكة على الغرق.
ولا أستبعد أن يكون حماس البعض للدكتور البرادعى راجعا إلى اقتناعهم بأن طول إقامته فى الخارج أكسبه تمثلا لقيم الليبرالية المفتقدة عندنا، الأمر الذى يجعله مرشحا مقبولا فى العواصم الغربية، فضلا عن أن وجوده بالخارج جنبه مزالق التصنيف ضمن مراكز القوى وشبكات المصالح الموجودة فى مصر، وهو بذلك يجمع بين “الحسنيين؛ رضا الخارج عليه وثقة الداخل فيه، بمعنى التطهر من مثالب النخبة الحاكمة فى البلد.
ــ3ــ
إذا كانت المقارنة بين رصيد الدكتور البرادعى، وبين أرصدة الذين يديرون البلد فى الوقت الراهن، فإن كفة الأول ستكون أرجح لا ريب، ولكن النتيجة قد تختلف إذا ما حولنا البصر عن السلطة ومددناها نحو المجتمع، إذ سنجد فى هذه الحالة نظائر أخرى له، ربما كان لبعضها رؤى أعمق وأكثر ثراء فى قراءة الواقع المصرى وتحليل مشكلاته.
وهو ما خلصت إليه حين جمعت الحوارات والتصريحات التى صدرت عن الدكتور البرادعى وقارنت مضمونها بتحليلات بعض المثقفين المصريين من أمثال المستشار طارق البشرى فى كتابه “مصر بين التفكك والعصيان”، والدكتور جلال أمين فى كتابه “ما الذى جرى للمصريين”، والدكتور إبراهيم شحاتة فى مؤلفه “وصيتى لبلادى” وتلك مجرد أمثلة فقط، لأننى لا أشك فى أن هناك آخرين لهم إسهاماتهم المقدرة فى ذات المضمار، وإذا جاز لى أن استطرد فى هذه النقطة، فلعلى أضيف أن ما سمعناه أيضا من الدكتور أحمد زويل عن العلم والتعليم لم يضف شيئا إلى ما دعا إليه العلماء المصريون طوال السنوات التى خلت، أذكر منهم على سبيل المثال فقط الدكتور محمد غنيم والدكتور إبراهيم بدران والدكتور مصطفى طلبة والدكتور محمد القصاص والدكتور حامد عمار وغيرهم وغيرهم.
لا أريد أن أقلل من شأن الرجلين. فكل منهما له مقامه الرفيع فى اختصاصه، وحين حصلا على جائزة “نوبل” فتلك شهادة حفظت لهما ذلك المقام وحصنته، لكن هناك فرقا بين تقدير النموذج وإحاطته بما يستحق من احترام، وبين تحويله إلى “مخلِّص” تعلق عليه آمال إخراج البلاد من الظلمات إلى النور.
فى ذات الوقت فلا استبعد أن تكون تلك القيمة المقدرة لكل منهما قد انضافت إليها هالة خاصة اتسمت بالإبهار فى نظر كثيرين، حين احتل كل واحد مكانته المرموقة خارج مصر، وهو أمر قد يفهم عند أهل الاختصاص. لكن تقييمه يمكن أن يختلف حين يتعلق الأمر بالعمل العام الوثيق الصلة بمصير الوطن وحلمه.
فيما خص الدكتور البرادعى فإننى مع الحفاوة به وأرحب بشدة بانضمامه إلى الصف الأول فى كتيبة دعاة التغيير والإصلاح فى مصر، رغم أننى أشك فى جدوى مطالبته بأولوية تعديل الدستور فى ظل الأوضاع الراهنة، فتجربتنا أثبتت أن كلا من المناخ السائد والأيدى التى تتولى التعديل لا يبعثان على الثقة أو الاطمئنان فى تحقيق الإصلاح المنشود من ذلك الباب.
ــ4ــ
لا مفر من الاعتراف بأن حملة تأييد وترشيح الدكتور البرادعى جاءت كاشفة لأزمة النظام فى مصر ومدى الخواء السياسى الذى أنتجته، ذلك أنه بعد مضى نحو ثلاثين عاما فى سدة الحكم، وفى وجود 24 حزبا شرعيا، على هامشها نحو عشر مجموعات للناشطين تشكلت للدفاع عن الديمقراطية والحقوق السياسية، إضافة إلى العشرات من منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان. رغم توافر هذه الكيانات كلها فى بلد يضم 83 مليون نسمة، فإن المناخ المخيم لم يسمح بإفراز قيادة سياسية من الداخل يمكن أن تكون محل إجماع من الجماعة الوطنية المصرية فتعلق نفر منهم بأول مخلص لاح فى الفضاء.
فى الولايات المتحدة يقولون إنه إذا تكرر رسوب التلاميذ فى أحد الفصول المدرسية، فإن المعلم هو من ينبغى محاسبته، لأن ذلك يعنى أنه فشل فى أن يستخلص من التلاميذ أفضل ما فيهم. ذلك ينطبق أيضا على عالم السياسة لأن الجدب الظاهر الذى نعانى منه الآن فى مصر، يعد شهادة على فشل إدارة المجتمع ودليلا على إصرار تلك الإدارة على تعمد إخصائه وإصابته بالعقم لحرق البدائل وتسويغ احتكار السلطة.
من هذه الزاوية فإن استدعاء شخصية مصرية نزيهة ومحترمة من خارج المعترك السياسى لايبدو مخرجا من المأزق الذى نحن بصدده، وإذ لا أشك فى أن الرجل أفضل من الموجود، لكنه يظل فى وضعه الراهن دون المرجو والمنشود إلا إذا خاض المعترك وقطع أشواطا على دربه.
إذا سألتنى ما العمل إذن؟.. فردى انه لا بديل عن احتشاد للجماعة الوطنية يقيم حوارا حقيقيا حول تشخيص الأزمة الراهنة، وأولويات التعامل مع عناوينها، وهل تحتل الأولوية مسألة تعديل الدستور أم قضية إطلاق الحريات العامة وإلغاء الطوارئ، التى توفر مناخا مواتيا لتعديل الدستور بحيث يصبح ركيزة حقيقية للديمقراطية، وليس قناعا لممارسة التسلط والديكتاتورية.
إن علاج التشوهات وعمليات التفكيك والإعاقة التى تعرض لها المجتمع المصرى خلال العقود التى خلت مما لا يحتمل التبسيط أو حرق المراحل. ذلك ان الأمل فى التغيير يمثل رحلة طويلة وشاقة، علما بأن المتمترسين وراء الأوضاع الراهنة يعتبرون استمرارها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم. لذا لذم التنويه، ووجب التريث والتحذير.

----


- سلامه أحمد سلامه
البرادعى بين المطرقة والسندان (2010) "الشروق" المصرية
ألم يكن غريبا أن يبدأ عام 2010 بيوم غامض من أيام شهر فبراير يشهد ترحيبا حارا بعودة الدكتور محمد البرادعى إلى مصر، بعد انتهاء ولايته الثالثة فى وكالة الطاقة الذرية، ليعلن عزمه على خوض انتخابات الرياسة القادمة إذا تحققت شروط معينة؟.. وأن ينتهى نفس العام بفتوى يصدرها شيخ مأفون يعلن فيها إهدار دمه لأنه طالب بالعصيان المدنى بعدما حدث من تزوير فى الانتخابات وعلى الرغم من بعد المسافة بين ما كان وما سيكون، فالأمر لم يختلف كثيرا عن المسافة التى قطعها الحزب الحاكم بين موقف التجاهل والعداء إزاء البرادعى  وموقف التهديد والوعيد الذى اتخذه فى المؤتمر السنوى للحزب ضد المعارضة عموما وضد ما اعتبره خروجا على الشرعية من جانب البرادعى. وكلها إنذارات وتنبيهات إلى ما يمكن أن تحمله الحياة السياسية فى مصر من مفاجآت فى عام 2011!
لقد عبر كثير من الكتاب والمثقفين، المعارضين والمستقلين عن مواقفهم المناوئة أو المؤيدة، المتعاطفة أو الناقدة. ولكن رأى الأغلبية الصامتة بقى كالعادة محجوبا عن العلن إلا لمن يتواصل مع الإنترنت. وفيما تلقيت من رسائل ما يلقى الضوء على رأى قطاع واسع من القراء الذين يضعون البرادعى بين المطرقة والسندان!
نقدم بعض مقتطفات منها: قد يكون البرادعى باعث النهضة ومحرك الأمة ومحطم أصنام الفساد. وقد لا يكون، قد يكون أملنا المفقود وطموحنا. وقد لا يكون. ولكن من الأكيد والمؤكد أنه سيكون بداية التغيير المنشود نحو الأفضل.. بداية الحلم الذى طال انتظاره حتى أصبح عزيز المنال. بداية الاتجاه الصحيح نحو ديمقراطية عاقلة متعقلة. فنحن لا نستحق أبدا ما نحن فيه رغم كل ما يشيعونه عنا.. نحن شعب طيب محترم متدين أهانوه فى شرفه وكرامته وكبريائه. أذلوه فى لقمة عيشه. كسروه فلم يعد يقوى على المقاومة. ولم يعد يعرف أولوياته: أيثور لكرامته وهو جريح، أم يركض وراء الرغيف ركض الوحوش فى البرية.. وحين تظهر فى الأفق دلائل تغيير نراهم يسرعون إلى سن سيوفهم، ليغتالوا الحلم القادم. بعد قراءة متأنية أقول بصدق إن البرادعى صنع حراكا فى المجتمع لا يمكن إنكاره وغير مسبوق. كما أيقظ العقول من غفوتها فى لحظة حاجتها إلى قدوة تقتدى بها وحرك أفكارا كانت غائبة وراء الحاجات الإنسانية، وهو يعلم جيدا أن كثيرا ممن شرعوا فى الانضمام إلى فكره كانوا أصحاب مصالح شخصية. ويعلم ــ كما قال ــ ونحن نعلم أنه لايملك قوة خارقة على غير المعهود فى بنى الإنسان، ولكنه كان صاحب الرمية التى تسببت فى حدوث هذا الكم الهائل من الأمواج المتلاطمة.. هنا علينا جميعا أن نقف ونسأل أنفسنا هل نحن فى حاجة إلى تغيير فعلا أم لا؟ وما هى المقومات لإتمام عملية التغيير وهل نحن على استعداد لدفع الثمن حتى ولو كانت النتيجة لن تعم علينا وإنما سوف يحصدها أولادنا وأحفادنا؟
البرادعى قالها وكررها مرارا «لست المنقذ ولا المخلص». ولا أرغب فى الترشح للرياسة. الرجل لديه رسالة، وبدلا من أن يعيش حياة هادئة بعد سنوات العمل الطوال.. قرر أن يُعدّل وضعا رآه خطأ. والشعب صاحب المصلحة الأولى غائب أو غُيّب عن عمد وبمنهج عبر سنوات.. ولا يجب أن نتوقف معتمدين على إنسان أو منتظرين من يأتينا من الخارج «ويشيل الشيلة عنا».. غرض البرادعى كان ولأول مرة أن يتحمل الشعب مسئوليته بنفسه.. ومصر لابد وأن بها من الـ80 مليون برادعى. البرادعى ليس نبيا ولا ساحرا. ولكنه أيضا ليس زعيما ولا رائدا ولا مفكرا. كما أنه ليس مستعدا لدفع كلفة التغيير الباهظة. والمراجع لأحداث التاريخ يرى أن المصلحين والقادة وهبوا أموالهم وأوقاتهم وطاقاتهم وكل ملكاتهم من أجل قضايا شعوبهم. ودفعوا برضا وسعادة أثمانا فادحة لذلك.. فهل فعل البرادعى شيئا من ذلك؟!
مشكلة البرادعى أنه رجل محترم ومتحضر أكثر من اللازم فى بيئة سياسية فاسدة وطاردة لأى وجه نظيف.. ومن ناحية أخرى، فمشكلة البرادعى أنه يخاطب شعبا تعود على الفساد والطغيان واعتاد على الرضوخ فى مواجهة سطوة الأمن.. ومن جهة ثالثة معارضة لايعتمد عليها. أفرادها يعملون أصلا لحساب الأمن. وبعضها انتهازى كالإخوان أو حنجورى لسه عايش فى أيام عبدالناصر. هذه المعارضة المضحكة رفضت أبسط شىء وهو مقاطعة الانتخابات التى يعلمون أنها مزورة!!

----

- سلامه أحمد سلامه
- البرادعى فى عين العاصفة (2009) "الشروق" المصرية
من أجواء البرد والصقيع التى تلف فينا فى ذلك الوقت من السنة، جاء بيان الدكتور محمد البرادعى المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، ليفجر عاصفة هوجاء فى مصر، لمجرد أنه أراد أن يوضح للقوى السياسية، التى طالبته بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، طبيعة الشروط التى يرى ضرورة توافرها للقبول بهذه المحاولة. ومن الواضح أن البرادعى قد أراد بذلك أن يضع حدا لسيل بدأ ولا يكاد ينتهى، من المطالبات والتكهنات، التى أخذت تملأ فراغ الجو السياسى المقبض فى مصر.

والقارئ بموضوعية ودقة للبيان، يشعر أن الرجل قد أراد من ناحية أن يؤكد استعداده للعمل من أجل خدمة وطنه بالترشح لهذا المنصب. ولكنه أراد من ناحية أخرى أن يوضح لهؤلاء الذين يلحون عليه بالقبول، استحالة تحقيق هذا المطلب إلا إذا توافرت ضمانات الديمقراطية والشفافية فى الانتخابات الرياسية المقبلة. ولن تتحقق هذه الضمانات فى رأيه إلا بشروط خمسة، هى: إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة لتنظيم العملية الانتخابية. والإشراف القضائى الكامل على الانتخابات. ووجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة. وفتح باب الترشيح لجميع المصريين دون قيود. وأخيرا تنقية الجداول الانتخابية.

وتعليق الجواب على شرط أو شروط مستحيلة التحقيق على أرض الواقع هو بحكم المنطق استبعاد للقضية برمتها. وهو كما نرى ما حدا بقيادات الوطنى إلى الهجوم الشرس على البرادعى، فاتهموه بشتى الاتهامات التى تراوحت بين ازدواجية الجنسية والعمالة للغرب، أو فى أهون الاتهامات بمحاولة فرض شروط خيالية بعيدة عن الواقع والقيام بانقلاب دستورى. وطالبه أحدهم بأن يعود لمصر أولا، ويكف عن تلقين المصريين دروسا.. لأن فترة غيابه الطويلة خارج مصر، جعلته لا يعرف حجم المتغيرات، التى شهدها الواقع السياسى المصرى، وفى مقدمتها تلك التعديلات الدستورية الملهمة، واللجنة القومية المستقلة التى تنظم جميع الإجراءات الانتخابية. وبعبارة أخرى فلا مجال للبحث عن ضمانات أو شروط جديدة، ولا مجال للتشكيك فى نزاهة العملية الانتخابية المصرية، كما تدعى القوى المعادية لمصر!

هل معنى ذلك فعلا أن البرادعى يطالب بشروط مستحيلة، لا مثيل لها فى النظم الديمقراطية الأخرى فى العالم.. وهل يغيب فعلا عن إدراكه أن مثل هذه الشروط يتطلب لتحقيقها إيمان جماعة الحكم بالديمقراطية وتبعاتها، وتوافق القوى السياسية على ضرورة تصحيح العوار الكامن والظاهر فى الحياة السياسية، وتمكين الشعب من ممارسة حرياته وحقوقه السياسية دون وصاية أو إملاء، ودون تزوير أو قمع!

لا يوجد أدنى شك فى أن البرادعى يدرك ذلك تماما. ولذلك فهو يطرح هذه الشروط التى يعرف كل عاقل أنها لن تتحقق بين يوم وليلة، وأنها تحتاج إلى وقت وجهد لتنفيذها وإلى تغيير فى الآراء والعقلية ويضاعف من صعوبة الموقف أن البرادعى يبدو كمن يصرخ فى البرية.. لأن أحزاب المعارضة ليس لها موقف أو رأى حاسم. وأنها كما وصفها د. حسام عيسى أستاذ القانون مجرد أجنحة للحزب الحاكم، لا يهمها غير التفاوض على 4 أو 5 مقاعد فى مجلس الشعب.

لقد كنت من الموقنين منذ بدأت «هوجة» الحديث عن الترشح للرياسة، والمزاد الذى تنافست فيه قوى سياسية عديدة لترشيح شخصيات مرموقة تحظى باحترام الشعب المصرى، طرحت فيها أسماء البرادعى وعمرو موسى وزويل وغيرهم، إن المسألة لا تعدو أن تكون تعبيرا عن السخط وعدم الرضا عن الأوضاع والممارسات الانتخابية الراهنة، ولا عن الأسماء والشخصيات التى يتردد أن الحزب الوطنى بصدد تمكينها بأساليب ملتوية، من الصعود إلى أعلى مراتب الحكم بالتوريث أو بغيره. وفى اعتقادى أن كل هذه الترشيحات كانت بمثابة صرخة احتجاج أو حشرجة شعبية تعبيرا عن رفض ما هو قائم، والتأكيد على أن لدينا فى مصر ما هو أفضل منه، لو نظرنا حولنا وأعدنا ترتيب الأمور طبقا لقواعد الحكم الرشيد والديمقراطية الحقيقية.

عند هذا الحد كان يمكن أن تهدأ العواصف وتسكن الزلازل التى ما أظن أن الرجل كان يتوقعها. فعلى الرغم من أن من حق كل مواطن مصرى أن يقول رأيه فى أفضل السبل المؤدية للإصلاح السياسى وإقامة حكم رشيد. إلا أنها حين تأتى من مصرى يحظى بمثل هذه المكانة الدولية، ولديه أرضية واسعة من الثقة الشعبية.. فهو فى نظر زبانية الحكم قد اقترب من قدس الأقداس، ونطق بالأهوال التى يرددها عملاء الغرب، حول نزاهة الانتخابات وتعديل الدستور، وكل ما يضفى على الحياة السياسية مصداقيتها.

ربما كان الخطأ الذى وقع فيه البرادعى، أنه صدق أصوات الضجيج الحزبى والسجال السياسى والخطب المنبرية، التى ملأت الساحة فى مصر حول أزهى عصور الحرية والديمقراطية، فسارع إلى الرد على الذين يطالبونه بدخول المعمعة لتحديد الشروط التى يراها واجبة لانتخابات الرياسة. وهى شروط يعتقد أكثر المتفائلين أنها لا يمكن أن تتحقق قبل 20 أو 30 عاما أخرى.. وإلا يكون البرادعى كمن يضع العربة قبل الحصان.

والواقع أننا لدينا عربة ولكن ليس لدينا حصان.. فإذا كان لشروط البرادعى من فائدة، فهى أنها أضاعت براءة الكثيرين، الذين وجدوا أسماءهم مطروحة للترشح للرياسة. وأسقطت أوهام الذين ظنوا أنهم بدعوة البرادعى للترشح قد قطعوا جزءا من الطريق.

----

- د. سمير عزوز
- فاصل من العمليات القذرة للتشهير بالبرادعي (2010) "محيط"
لم يكن ينقصنا سوى ايمن الظواهري ليطل علينا عبر شاشة 'الجزيرة' مهاجما الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر.

الظواهري قدم خدمة جليلة لأهل الحكم عندما وصف البرادعي بأنه مبعوث العناية الأمريكية.

 فالقوم احتشدوا في البداية، وسنوا أقلامهم وعادوا وزادوا وهم يتهمونه بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، إلى درجة أننا ظننا أنهم أعداء واشنطن في المنطقة.

 وبدا إعلام السلطة في مصر منحازا وبأثر رجعي للنظام العراقي البائد، فقد اتهم البرادعي بمساندة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن في تدمير العراق وإزاحة الرئيس صدام حسين، وذلك من خلال موقعه السابق مديرا لهيئة الطاقة الذرية.

البرادعي كان سببا في عدم منح الرئيس الأمريكي الشرعية الدولية لحربه المجنونة، عندما أكدت تقارير هيئته خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، التي كان يسوقها بوش مبررا لاحتلال العراق.

والنظام المصري كان مع بوش بالباع والذراع، وعندما خرجت الجماهير منددة بهذا العدوان قام بسحل المتظاهرين في الشوارع، ومطاردتهم في كل مكان، ولم يسلم من ذلك اثنان من أعضاء مجلس الشعب، هما حمدين صباحي، ومحمد فريد حسنين.

 وقد جرى اعتقالهما بعد السحل رغما عن الحصانة البرلمانية التي يتمتعان بها، في رسالة للجميع، بأن النظام صار في حرب مفتوحة مع الرافضين للحرب والاحتلال، ولن يرحم أحدا، وحتى الحصانة لن تحمي أصحابها.

أولو الأمر منا يعلمون أن تهمة العمالة أو حتى الصداقة للولايات المتحدة الأمريكية، هي لدى المصري البسيط من التهم التي تفقد السياسي الثقة والاعتبار، لذا فقد ناضل إعلام السلطة من اجل ان يلصقها بالمعارض ايمن نور، وهي التهمة التي سعى هذا الإعلام لان يلصقها بالدكتور البرادعي إلى ان صارت كهشيم تذروه الرياح.

فكان البحث عن تهمة أخرى، وجاء الظواهري ليسعى لتأكيد التهمة الأولى، ربما ليوحي بأن البديل المناسب للنظام المصري هو سيادته، مع ان أصدقاءه في مصر تبرأوا منه، وبالتالي فلا يمكن لنا فرضه خليفة للمسلمين.

الظواهري والشهادة لله، لم يُبرئ النظام المصري من تهمة العمالة للأمريكان، لكن ماذا يمكن أن يأخذ الريح من البلاط؟ في حين ان الريح ينال من الدكتور البرادعي.

 وبالتالي فان خطابه التلفزيوني ستستفيد منه السلطة التي فشلت في إقناع الناس بان صاحبنا عميل للولايات المتحدة الأمريكية، فكان اللجوء إلى فاصل من 'العمليات القذرة'.

منذ أسابيع تم تسريب صور لابنة البرادعي بملابس البحر، ومعلوم ان 'جماعة' قومنا يذهبون للبحر وهن يرتدين النقاب في منتجعات مارينا والساحل الشمالي !!.

قالوا إن ابنة البرادعي متزوجة من مسيحي، وتبين أن هذا ليس صحيحا، لكن لأول مرة أرى أن الدين مطروح على جدول أعمالهم.

الجماعة
شاهدت برنامجا تلفزيونيا يسأل المذيع ضيفه عن السر وراء إطلاق المصريين لقب 'الحكومة' على زوجاتهم، وتم طرح السؤال على عدد من المارة.

 فمن قال لأنها مستبدة، ومن قال لأنها متخصصة في التنكيد على الشعب، ومن قال لأنها تمثل السلطة الغاشمة، لكني تذكرت أن مصطلح 'الحكومة' ليس شائعا في الصعيد، وان الشائع هو مصطلح 'الجماعة'!

وبدا واضحا من حملة التشهير أن قومنا يوحون بأن الحاكم ينبغي ان تكون 'جماعته' بمعايير معينة، ومن هنا فقد وجدت ان البديل وفق المعايير التي يتم الترويج لها من خلال هذه الحرب القذرة على البرادعي، هو عبود الزمر، لتصبح سيدة مصر الأولى هي السيدة أم الهيثم، وهي منقبة من قبل اتهام زوجها بالمشاركة في اغتيال الرئيس السادات. المشكلة ان أعداء البرادعي لا ينظرون إلا تحت أقدامهم.

على غير المتوقع لم يتجاوب المواطن المصري مع الحملة، التي قال وليد عباس براديو 'مونت كارلو' انها استهدفت التأثير على الطبقات الفقيرة.

لان الطبقة العليا لا تجد مشكلة في مثل هذه الصور، فالحال من بعضه.. والمعنى ان الدكتور البرادعي وصل تأثيره الى الطبقات المستهدفة بحملة التشويه.

مما كان يأخذونه على البرادعي انه ونظرا لغيابه عن مصر لمدة ثلاثين سنة لا يعرف الشعب المصري والفقراء منه على وجه التحديد.

 في لقاء على قناة 'الحوار' قال عبد الباري عطوان البرادعي يعيش خارج مصر منذ 30 عاما في النمسا، ومبارك يعيش خارج مصر في شرم الشيخ منذ 20 سنة.

محسوبكم كاتب هذه السطور هو الأولى بالحكم منهما، لأني عشت كل عمري في مصر، ومن أقصاها إلى أقصاها، ومن الصعيد الى القاهرة وبالعكس، ولم اذهب لا إلى شرم الشيخ ولا إلى النمسا، وكل علاقتي بشرم أنني شاهدتها فيديو، وبالنمسا أغنية 'ليالي الأنس في فيينا'.

لكن وكما قلت لكم من قبل لا رغبة لي في الحكم، فلا أستطيع ان أحرم نفسي من 'طشة الملوخية' وأحد كتاب السلطة قال ان الرئيس مبارك محروم منها، كما لو كانت 'طشة الملوخية' تضمنتها قائمة المحرمات على الحكام.. بناقص الحكم!.

وليد عباس كان ضيفا على قناة 'فرنسا 24'، وفي برنامج 'منتدى الصحافة' الذي تقدمه مذيعة جميلة ومتمكنة، لكني لم أتمكن من معرفة اسمها، وأنا الذي لا اذهب إلى هذه المحطة إلا نادرا، لان إرسالها مشترك بين الفرنسية والعربية، ولا اعرف توقيت البث باللغة العربية.

في البرنامج قيل ان هامش الحريات الصحافية بدأ يتقلص وهذا صحيح، جميل انه قيل انه هامش، لان البعض يتصور أن هذا الضجيج الإعلامي هو الحرية الإعلامية.

سئل ضيوف 'منتدى الصحافة' هل نالت هذه الحملة من الدكتور البرادعي، وكانت الإجابة بالنفي. رد الله كيدهم في نحورهم، فقد أثارت هذه الصور الذي يتم الترويج لها امنيا تعاطفا واسعا مع الرجل، الذي يمثل البديل الجاد للحكم حتى الآن، مع احترامي الشديد للزفات المنصوبة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

بيد ان الظواهري بدأ الدرس من الأول، وعاد من جديد يتحدث عن أن البرادعي هو مبعوث العناية الأمريكية، مع ان الرجل ليس في مشكلة معه، فهو وجماعته إفراز طبيعي لاستبداد الأنظمة العربية، المحمية بالإرادة الأمريكية، راعية الاستبداد في العالم العربي..

والبرادعي ضد الاستبداد، ولا ينافس الظواهري على خلافة أسامة بن لادن، لكن ماذا نقول في الدكتور الظواهري الذي يساند السلطة في مصر وهو يظن انه يحسن صنعا؟

أرض ـ جو
قالت مفيدة شيحة مذيعة تلفزيون الريادة الإعلامية: " أنا أفضل مذيعة بماسبيرو واتحدى".. يقولون ان الاعور وسط العميان سلطان.

مفيد فوزي صاحب برنامج " حديث المدينة" استهجن في برنامج " اتنين في اتنين" انشغال البعض بمدى صحة زواج سعاد حسني من عبد الحليم حافظ، وقال انه لم يكن يعلم بهذه الزيجة إلا عندما صرحت له " السندريلا" بذلك وقبيل وفاتها.. وقالت له ان زواجهما استمر خمس سنوات وكان سريا..

 المذكور بشحمه ولحمه كان قد أكد في حديث تلفزيوني عقب رحيل سعاد حسني انه علم بالزواج في حينه، وقال لقد تزوجها " العندليب" على سريري وفي غرفة نومي.. ورد في الأثر: "إذا كنت كذوبا فكن ذكورا".

في تقرير تلفزيوني عن المعتقلين في ظل النظام العراقي الجديد، شاهدت مظاهرة لأسر الضحايا، وراعني ان احدهم رفع لافتة تطالب بتدخل جامعة الدول العربية..

 البعض يظن أن بمقدوره أن يحيي من في القبور. انتهى شهر رمضان، وتوقف سيل برامج التفاهة على الشاشة الصغيرة.. كثيرون دخلوا مجال التقديم التلفزيوني، فكانوا عنوانا على التفاهة وقد تجسدت في شكل بشر.

بعض مقدمي البرامج يظنون انه بالضحك "عمال على بطال"، وفي "الفاضي والملآن" قد تحولوا الى "كوميديانات" على الشاشة، مع ان هناك فارقا بين السخرية والعبط.. يقال ان فلانا عبيط.. والمعنى أن فلانا هذا "أهبل".. والله اعلم.

 الآن عرفت لماذا يرفض كثيرون إنشاء نقابة للإعلاميين في مصر، فمؤكد ان هذه النقابة ستدافع عن المهنة، مما يستدعي محاكمة من شاهدناهم على الشاشة يقومون بدور المذيعين أمام محكمة الأحداث، المختصة بمحاكمة المتشردين من أطفال الشوارع.

 راعني ان سعودية اسمها "الشربتلي" او شيء من هذا القبيل هي المنتجة لبرنامج رمضاني، لتكون مهمتها تحويل أحد الأشخاص الى مذيع بقوة مال النفط، من غير أن يمتلك المقومات اللازمة لذلك ولو في حدها الادنى.. متى تتحقق دعوة مظفر النواب بنسف الآبار أدبا للنفط، لان النفط في رأيه بلا أدب!.

قرأت لكاتبة من البحرين مقالا بديعا تروي فيه معاناتها مع كثيرين يتعاملون مع المبدع الخليجي على انه بئر نفط، فيطلبون منه في بداية التعارف ان يؤسس مجلة، أو يمول مشروعا ثقافيا، وتؤكد ان معظم المبدعين الخليجيين ليسوا أثرياء..

فاتها أن أثرياء صاروا مبدعين بأموالهم، وأصبحوا أدباء ينتظر النقاد إبداعهم على أحر من الجمر.. بل وصاروا كتابا تنشر لهم مقالات في الصحف مزينة بصورهم، حتى وان كتبوا "ريان يا فجل".

ظهر إبراهيم عيسى في شهر رمضان على شاشة فضائية "دريم" واعظا بالجلباب ومقدما برنامجا دينيا يوميا، ومذيعا في "موجة كوميدي" يقدم برنامجا يوميا يحمل اسما مبتذلا هو "حمرا".. وحكيما في برنامج على "اون تي في " اسمه "حاجة تفطر"، وهو برنامج يومي أيضا..

كان ينقصه برنامج في فنون الطهي، وليقدم لربات البيوت شرحا مبسطا لكتاب "ابلة نظيرة" في هذا الشأن.. الفنان اشرف عبد الباقي هو المقرر الدراسي في شهر رمضان، وقبل شهر رمضان، وبعد شهر رمضان.

 فهو موجود على كثير من القنوات التلفزيونية، إلى درجة انني اخشى ان افتح صنبور المياه فينزل منه اشرف عبد الباقي.

----

- د. سمير عزوز
- التهديد فضائيا باعتقال البرادعي (2010) "القدس العربي"
 لم أشاهد جهاد عودة القيادي بأمانة السياسات بالحزب الحاكم في مصر لصاحبها جمال مبارك، وهو يهدد عبر قناة 'دريم' باعتقال الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، ويؤكد أن البرادعي ليس كبيرا على الاعتقال.

 وهو التهديد الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية بسرعة البرق، على حد تعبير زميلنا محمد الجارحي بجريدة 'الدستور'.

فقط استمعت الى المذكور جهاد عودة، في مداخلته عبر برنامج 'العاشرة مساء' على قناة 'دريم' أيضا، في المقابلة الشهيرة للبرادعي مع منى الشاذلي، والذي استحقت عليها وابلا من الهجوم من بعض الأقلام، لدرجة أن 'هويدا طه' أطلقت على البرنامج وصف 'مباحث العاشرة مساء'..

منى تعاملت بتعال مع البرادعي، لتثبت لأهل الحكم أنها ليست من أنصاره، وكانت هذه الحلقة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فهي لم تكن بالنسبة لي منشئة للأداء المترهل للمذكورة، وإنما كانت كاشفة له.

مني الشاذلي تمددت، وافتقدت للياقة وهي تقول أنها لن تعطي صوتها للبرادعي إذا ترشح. وقد شرفت الرجل بهذا التصريح، فأعتقد أنها ستحجب صوتها عن ضيفها لتمنحه للحاج احمد الصباحي، الذي خاض الانتخابات الرئاسية الماضية، وصرح قبلها: انه لا قدر الله.. لا قدر الله ( قالها مرتين او ثلاثا) لو حدث ونجحت فسوف أتنازل للرئيس مبارك.

وفي صبيحة يوم الانتخاب، انتصب أمام كاميرات الفضائيات وهو يعلن في زهو وحبور انه أعطى صوته للرئيس، معلوم ان الصباحي وافته المنية مؤخرا، لكن اذا كان من المعلوم بالانتخابات عندنا بالضرورة أن الموتى يخرجون من قبورهم وينتخبون مرشحي الحزب الحاكم، فكشوف الانتخابات تزخر بهم، فلا مانع هذه المرة من ان يصوت الأحياء للموتى.

الحاج احمد الصباحي كان يتزعم حزبا معارضا، اسمه حزب الأمة، وهذا هو حال التجربة الحزبية في مصر، وقد اندهشت منى الشاذلي من رفض البرادعي تأسيس حزب معارض، وأحد المتدخلين هاتفيا ابدى اندهاشه أيضا، وبدت الدهشة مفتعلة، كأن هناك اتجاها لاستنزاف وقته وجهده في تأسيس حزب، حتى ينسى فكرة المنافسة على موقع الرئيس.

البرادعي في برنامج 'العاشرة مساء' قال انه لن يؤسس حزبا معارضا، ليحصل على الرخصة القانونية من الحزب الحاكم، باعتبار ان الأمين العام لهذا الحزب هو رئيس لجنة شؤون الأحزاب، يقصد صفوت الشريف، وقال المتدخل، ان الشريف يرأس اللجنة ليس بصفته الأمين العام للحزب الحاكم، ولكن بوصفه رئيس مجلس الشورى..

 وقال البرادعي ان مجلس الشورى هذا ليس له مثيل في التجارب الديمقراطية، فرئيس السلطة التنفيذية يعين ثلثه.. بالمناسبة فان الشريف معين فيه ولم يحصل على عضويته بالانتخاب الحر المباشر.

وللعلم فان اللجنة تتشكل من وزير شؤون البرلمان، ووزير الداخلية، وعضوية عدد من رؤساء ونواب الهيئات القضائية السابقين يعينهم في موقعهم الرئيس مبارك، ولم يحدث في تاريخ هذه اللجنة ان كان هؤلاء المعينون لهم رأي مخالف لمن هم أعضاء بحكم مناصبهم.

أحمد ماهر وزير الخارجية الأسبق دخل على الخط مندهشا من رفض البرادعي تأسيس حزب معارض، وقال ان القانون يبيح له الطعن في قرار لجنة شؤون الأحزاب أمام القضاء، والذي يقرأ هذا الكلام، لا بد من ان يندهش للاستقامة السياسية، فالقضاء العادل هو صاحب القول الفصل، وهو الحكم بين لجنة الأحزاب الحكومية، والساعي لتأسيس حزب معارض.

 ورفض البرادعي ليس له إلا معنى واحد وهو انه لا يريد ان يبدأ سلم النضال من أوله، لأن عينه على كرسي الرئاسة المحجوز لسلالة بعينها.. موقع 'الأزمة' الالكتروني، قال ان جمال مبارك ينتظر حادثا سعيدا.. مبروك مقدما.

الطعن في قرار لجنة الأحزاب، يكون أمام المحكمة الإدارية العليا 'دائرة الأحزاب'، وهي دائرة ذات تشكيل خاص، اذ يعين وزير العدل نصف أعضائها، من غير القضاة، وذات تشكيل كان رئيس هيئة المجاري عضوا فيها، وهي من درجة قضائية واحدة، بعدها لا يمكن لك إلا ان تغني: 'ظلموه'!.

أصحاب المصالح
ما علينا، ففي مداخلة جهاد عودة، كان سيادته دبلوماسيا بشكل لم نعرفه فيه، فتعامل مع البرادعي باحترام، ولكنه وبحكم كونه أستاذا للعلوم السياسية يعرف ان الوضع في مصر بالغ التعقيد.. وان العملية معقدة، وان هناك مؤسسات.. هكذا قال، اعلم الى ما يرمي إليه، فلا أتصور انه يقصد بذلك لجنة السياسات، لأنه يعلم قبل غيره انها تجمع لأصحاب المصالح، ويوم ان تجري الانتخابات ويفوز البرادعي، فلن ( يأخذوا) العزاء في حزبهم الحاكم، وإنما سيقولون يا فكيك.

 ويومها سأنتظرهم على رأس فرقة من عباد الله الصعايدة في مطار القاهرة، ليحاكموا في 'جلسة عرب'، أي محكمة عرفية، إذا لم يتسن محاكمتهم بتهمة إفساد الحياة السياسية، أمام القاضي الطبيعي باتفاق مع الرئيس المنتخب على الخروج الآمن.

عندما أشاهد عودة عبر الشاشة الصغيرة، أقول كان الله في عون تلاميذه، الذين يحاضر فيهم ساعة أو اكثر، أنهم ولا شك يستحقون جائزة نوبل في الصبر، وأنا الذي لا أتحمله دقائق، واعتقد ان عموم الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي، ومن لدن آدم الى قيام الساعة، تخسر بظهوره وحتى قبل ان يتكلم، وقد سألت مراسلا فضائيا بالقاهرة لماذا تسهبون في استضافته فقال لنسيء للحزب الوطني الحاكم.

أهل الحكم في مصر يكرهون 'الجزيرة' كراهية التحريم، ولذا فان صاحبنا يكاد عندما تستضيفه ان يتشاجر مع من يحاوره فيها، فهم في رايه متآمرون على مصر، ويترك الموضوع ليهاجم القيادة القطرية، وبمجرد سؤاله يصرخ في الفضاء: انتم تقاطعونني.وودت ان يسألوه ثم يتركوه بدون مقاطعة، حتى يقطعوا عليه الطريق في ادعاء الاضطهاد.

وقد حدث ما تمنيته، ولعله على الظفيري الذي استضافه فما كاد ان يسأله، الا وأجاب عودة بالتهجم على قطر، فكان ان عاجله بالسؤال الثاني، فاتهمه بمقاطعته.. أرجوك دعني أكمل.. لا تقاطعني.. لا.. لا تقاطعني، وتركه المذيع، فتحدث إلى أن سكت، فلم يقاطعه فاستطرد، ثم توقف، وبدا مندهشا لهذه الحالة.. فقد رتب أوراقه كما يحدث في كل مرة، بان القيادة القطرية، وليس مجرد قناة 'الجزيرة' تريد ان تقمعه حتى لا يفحم الجميع بكلامه المنطقي الفتاك، الذي يتفق مع كونه أستاذا للعلوم السياسية.. ويسألون لماذا انهار مستوى التعليم في البلاد؟!

تعليمات عليا
دبلوماسية جهاد عودة غير المسبوقة في مداخلته عبر برنامج 'العاشرة مساء' بدت لمن يعرفه تأكيدا لما تردد من أن هناك تعليمات إلى الإعلام الحكومي، بعدم ممارسة 'سياسة الردح 'في التعامل مع الرجل، وكان هذا الإعلام عندما طالب البرادعي بإصلاحات دستورية قبل أكثر من شهر، قد مارس هذه السياسة و' فرشوا له الملاية'.

 ليس هناك مساحة استعرض خلالها مذكرة تفسيرية لمعنى 'الردح، والشرشحة، وفرش الملاية'، وأحيلكم إلى دور الفنانة عبلة كامل في فيلم 'خالتي فرنسا'.. كانت فرنسا تقوم بكل هذا.. وكانت هذه هي مهنتها.

ولأن أهل الحكم وجدوا ان ما جرى استفاد منه الدكتور البرادعي وأساء إليهم، فكانت التعليمات السابقة، وظهر الدكتور جهاد عودة دبلوماسيا في برنامج 'العاشرة مساء'. لكن يبدو ان حالة الحراك السياسي التي جرت بعد عودته الى القاهرة، هي التي دفعت بأطراف أخرى في السلطة الى التدخل لتشويه الرجل، فلم يعد الإعلام الحكومي هو صاحب المبادرة، ولم يعد بإمكانه إذا حاصر احد بالتجاهل، ان يدفعه الى زوايا النسيان..

 قديما كانوا يقولون ان المرء لا يعد في حساب الموتى إلا إذا نُشر نعيه في جريدة 'الأهرام'.. الآن ولو أذاعوا النبأ في تلفزيون البلاد فلن يسمع به احد.. فسبحان من له الدوام.

وإزاء هذا التغير في التعامل مع البرادعي، انتقل جهاد عودة من أستاذ للعلوم السياسية في 'العاشرة مساء'، الى قائد قوات الأمن المركزي في وقت لاحق وعلى نفس قناة 'دريم'، وقال ان البرادعي ليس كبيرا على الاعتقال..

 في لقائه مع 40 مثقفا من اختيار الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية أيضا ولكن في جامعة القاهرة، قال جورج اسحق المنسق العام السابق لحركة 'كفاية' نحن نحتمي في حصانتك الدولية.. فقال البرادعي وأنا احتمي في الشعب المصري.

وإزاء هذا التغير أيضا دخلت الأحزاب الصغيرة على الخط، وعقدت اجتماعا فتاكا، وشاهدت كبيرهم يعلن رفضه للبرادعي، لأنه زعزع الاستقرار في مصر.. نقلت بيانه قناة 'اون تي في' او 'أوت تي في' .. ففضائيات رجل الأعمال نجيب ساويرس تتشابه علينا.

وقد ذكرني وهو يلقي بيانه بـ أحمد الربيعان صاحب البيانات العنترية في حرب تحرير الكويت، والذي كان يوحي لنا ان عملية التحرير ستتم بملاعبته لقائد القوات العراقية 'رست' وهي لعبة تقوم عن طريق اليد واليد الأخرى، وان تهبط بيد الخصم في 'الاتجاه المعاكس' حتى تحسب فائزا.

جميعهم في الصفر سواء، فليس لهم عضو منتخب في أي ساحة، ولو في المجالس البلدية، وإنما من يقف بإخلاص مع النظام في 'زنقته' مع البرادعي سوف يتم تعيينه في مجلس الشورى بعد انتخابات التجديد النصفي بعد ثلاثة أشهر من الآن.. الرئيس مبارك يعين ثلث المجلس.. وممدوح إسماعيل من هذا الثلث وهو الهارب في لندن، وصاحب عبارة الموت التي شحنت أكثر من ألف مصري للدار الآخرة، و مكنته الحصانة من الهروب، ومن عدم توقيفه في المطار.

وقد حاوره التلفزيون المصري وهو في الخارج وبتعليمات من وزير الإعلام رأسا، وكان محاوره هو مفيد فوزي، والذي تعامل معه كما لو كان التقاه في مخبأ بجبال الهملايا، مع ان الجميع يعلمون انه في مدينة الضباب. إذن وصف 'كبيرهم' هنا راجع الى السن، وقد شاهدته وهو يتحدث عن الاستقرار الذي زعزعه البرادعي.. المكان الوحيد الذي يمكن لملقي البيان ان يلتمس فيه الاستقرار هو مدافن العائلة بمنطقة البساتين.

مما قاله الجنرال ان البرادعي جاء لينفذ أجندة غربية، ولم يفتح الله عليه بكلمة عندما أعلن جمال مبارك ان علاقاتنا بالولايات المتحدة الأمريكية هي جزء من الأمن القومي المصري.

ما علينا، فلا احد كبيرا على الاعتقال في مصر، ولا حتى البرادعي.. لكم تمنيت ان يعتقلوه، فربما يكون اعتقاله هو النهاية، على يد الشعب المصري، تماما كما كان اغتيال بناظير بوتو هو نهاية حكم برويز مشرف، مع انه كان رجل أمريكا الأول في المنطقة.. فمن يدري؟!.

أرض .. جو

اعترف رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون بان تطوير قناة مصر الإخبارية تكلف 100 مليون جنيه.. أنهم يبددون اموال الشعب المصري في الهواء.

----

- د. سمير عزوز
- البرادعي.. والذين يبغونها عوجاً (2010)"مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية"
الراية القطرية
ما أشبه الليلة بالبارحة..
فقبل ثورة يوليو 1952، كانت الأحزاب والقوى السياسية في مصر تتقرب إلى الملك بالنوافل، وتتنافس فيما بينها لكسب رضاه، وتَطَّوَّف بقصر عابدين، والبعض ذهب يبتغي العزة عند الاحتلال الإنجليزي.
لم يكن القوم يعلمون هنا أنهم كمنهوك على منهوك، وانه ضعف الطالب والمطلوب، فالملك كان مهزوما من داخله، وقد آمن بنبوءة "عرافة" بأنه آخر ملوك مصر. كما ان القوم لم يكونوا يعلمون ان شمس الإمبراطورية البريطانية إلى غروب، فهناك إمبراطورية شابة تنتظر الفرصة للتمدد في الفراغ وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان البعض ينظر إليها على أنها زعيمة العالم الحر.
السياسيون المحترفون لم يكونوا مبدعين، يما يؤهلهم لقراءة المشهد، لعل الحوادث أرهقتهم وقتلت ملكة الإبداع بداخلهم، ولم يكونوا يعلمون ان الملك فاروق سوف يتحول إلى عصف مأكول عند أول تهديد، حتى وان كان من يهدده، يمكن ان يموت من "الخضة"، إذا تلاقت الأعين.
الأحزاب في مصر لم تكن هشة، على النحو الذي عليه الآن، ولم يكن رموزها، من النوعية التي تعرفها مصر الآن، ولم تكن السياسة غائبة داخل هذه الأحزاب.. فأحزابنا الآن، في الجملة، هي مجرد " أكشاك لبيع السجائر"، وكثير من قيادات هذه الأحزاب لم يعملوا بالسياسة من قبل ولا من بعد، وهم في مواقعهم بإرادة السلطة، فالنظام لا يعين الوزراء فقط، ولكنه يقوم أيضا بتعيين رؤساء الأحزاب، ويعزلهم كما يعزل الوزراء.
ومع وجود القامات الكبري قبل الثورة، إلا أن أحدا لم يكن قادرا على قراءة المشهد بشكل صحيح، الى ان تحرك 90 ضابطا لا أكثر، فيما عرف بحركة ضباط الجيش، التي تطورت لتصبح ثورة بمرور الأيام.
كانت لهذه الحركة مطالب متواضعة، سرعان ما ارتفع سقف المطالب لتصبح تعبيرا عن إرادة الأمة كلها، ساعدهم على ذلك عدم وجود مواجهة جادة.. في البدء لم يطالبوا بعزل الملك، لكن عندما أوعز لهم احدهم بذلك، وحاصروا قصر رأس التين في الإسكندرية اكتشفوا ان الملك كالعنكبوت اتخذت لها بيتا.
 ولم يكن في نيتهم إلغاء نظام الحكم، فقد ارتضوا بمُلك منقوص تحت الوصاية يمثله ولي العهد، فقد كان طفلا، ثم اكتشفوا ان بامكانهم ان يلغوا الملكية ففعلوا.
لا أظن ان الحال مختلف الآن عما كنا عليه قبل ثورة يوليو، دعك من الأداء العصبي للقوم في البرلمان، بحجرتيه، فهذا كاشف عن وضع مرتبك، وان بدا تعبيرا عن القوة، وهو أمر يسري على الأداء العنيف لجهاز الأمن، في مواجهة الناس.
منذ أسابيع احتشد رئيس مجلس الشعب وقرر رفع الحصانة عن النائب طلعت السادات في قضية رشوة، يعلم طالب السنة الأولي بكلية الحقوق، ان أركانها غير متوفرة، وعندما لم يجد رئيس المجلس أغلبية تساند قراره، في جلسة التصويت على رفعها، قال ان معه " أغلبية افتراضية"، في سابقة هي الأولى من نوعها، لم تعرفها " قعدات المصاطب" ناهيك عن البرلمانات.
ومنذ أيام احتشد مجلس الشعب من اجل الموافقة لرئيس الدولة على اتخاذ قرارات لها قوة القانون، وشاهدنا كيف وقف نجم السياسة الجديد احمد عز، يرفع يده بينما وجهه للقاعة، حتى يُري الأعضاء العين الحمراء، ويثبت ان الحياة السياسية تحت السيطرة، ولم يكن يعلم انه بما فعل قد انحدر بالبرلمان المصري إلى فصل دراسي في مدرسة ابتدائية، وان ما قام به هو جدير بـ " ألفة الفصل"، وليس بقيادة برلمانية، هي الذراع الأيمن لنجل الرئيس.. والوريث سابقا.
وقبل أسابيع، وفي مجلس الشوري، المعين ثلث أعضاؤه بمن فيهم رئيسه بقرار رئاسي، أما الثلثين فهم من نتاج انتخابات تشبه التعيين، وقف القوم يرهبون رئيس الحزب الدستوري ممدوح قناوي، والمعلن انه تطاول على مصر في قناة " الجزيرة".
لقد هددوا بإحالته للجنة القيم تمهيدا لإسقاط عضويته، بينما الحقيقة ان هذه الغضبة مردها الى ان الرجل كان من مستقبلي الدكتور محمد البرادعي في المطار على رأس وفد من أعضاء حزبه.. كان هو الحزب الوحيد الذي وقف هذا الموقف الشجاع، وكان من السابقين بالتبشير بالدكتور البرادعي، لدرجة ان قناوي أعلن عن تنازله عن رئاسة الحزب له ان وافق.
أرغى صفوت الشريف رئيس المجلس وأزبد، وهدد وتوعد، وتحدث بما لا يليق بمن هو في سنه، وفي حنكته السياسية، عن النصف مليون جنيه التي دفعوها له ولغيره ممن خاضوا الانتخابات الرئاسية الماضية. وحسب معلوماتي ان الدعم هو للدعاية، وليس من باب الرشوة، وانه منصوص عليه في القانون، وليس منحة من شركة عز للحديد والصلب، وانه قبل هذا وبعده خاضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات بنص القانون.. وقد قال الشريف في لحظة غضب نادرة وتعبيرا عن ارتباك لا تخطئ العين دلالته أنهم لم يسألوا أين أنفقت هذه الأموال؟.. وهو أمر يضعه تحت طائلة القانون، لأنه وان كان لم يبدد هذه الأموال، فهو بحكم من سهل تبديدها.
دعك أيضا من أخبار الاعتقالات اليومية، في صفوف الإخوان وغيرهم، والتي وصلت إلى حد اعتقال ناشر، لأنه تجرأ ونشر كتابا يبشر مؤلفه الدكتور كمال غبريال بالدكتور البرادعي رئيسا.
فكل هذا هو التعبير العنيف عن منتهي الضعف، وقد قامت ثورة يوليو بينما احمد حسين في السجن بتهمة إهانة الملك، ولم يكن سجن الرجل دليل على قوة الملك واحكام قبضته على الأمور، فقد ثبت بالدليل انه كان للملك ان يرحل لو دخل عليه سياسي في قصره وطالبه بالرحيل، بدلا من السعي لقربه، والتنافس على قلبه، ليأذن لمن ارتضى بتشكيل الحكومة.. لكن: أذل الحرص أعناق الرجال.
واذا كانت ثورة يوليو كاشفة وليست منشئة لهذا الضعف، فيقيني ان قدوم الدكتور البرادعي الى مصر، واحتشاد المصريين حوله كان كاشفا عما أشرت إليه، من ان الحال من بعضه.
بدا القوم في حالة ارتباك، ودفعوا بالأحزاب الهامشية لتسيء للرجل.. احد " الهلافيت" فيها قال انه مستعد لمناظرته، وأخر اتهمه بالخيانة العظمي لأنه تآمر مع الأمريكان على العراق، كأن سادتهم كانوا يقفون على خط النار في مواجهة العدوان الأمريكي على بلاد الرافدين، مع أنهم كانوا من أوائل الذين تصدوا للمظاهرات التي خرجت تندد بالعدوان، وسحلوا المتظاهرين في شوارع القاهرة، وعاملوهم معاملة الأعداء، ولم يكن قادة هذه الأحزاب " المتشحتفين" الآن ضد الأمريكان ومع العراق، مع المتظاهرين، او المنددين بالاحتلال، فقد تعلقت أنظارهم بمن له فضل عليهم في مواقعهم، وهم (أي أهل الحكم) أول من اعترفوا بالحكومة التي شكلها الاحتلال تحت الإشراف المباشر من بريمر!.
الجنين في بطن أمه، والذي أنطقته لافتات نبيل لوقا بباوي، قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية، وقالت انه يؤيد الرئيس مبارك.. هذا الجنين يعلم ان الدكتور البرادعي وقف في مواجهة طموح الرئيس بوش في غزو العراق، كالشوكة في الزور، فقد أكدت تقاريره خلوه من أسلحة الدمار الشامل، فلجأ الرئيس الأمريكي بمساعدة " المحروس" رئيس وزراء بريطانيا توني بلير الي الفبركة.
لا بأس، فأداء أحزاب " بئر السلم" لم يحقق المراد، كما لم يحققه الهجوم المنحط من قبل رؤساء تحرير الصحف القومية وأعضاء لجنة السياسات بالتبني، ومنذ إعلان البرادعي استعداده للترشح لرئاسة الجمهورية وفق شروط أعلنها، فعاد القوم سيرتهم الاولي بيدهم لا بيد عمرو، وقام هؤلاء الذين يبغونها عوجا بالهجوم على البرادعي بشكل يبدو من حيث الشكل رصينا، وقرأنا وسمعنا هجوما عليه لاستغلاله دور العبادة في الدعاية السياسية، وذلك لأنه وفي بداية نزوله الشارع صلى الجمعة في مسجد الحسين، ثم صلى الجمعة الماضية في احد مساجد المنصورة، ثم ذهب يوم عيد القيامة ليحضر القداس، ويهنئ البابا شنودة ورعايا الكنيسة المصرية بالعيد.
لم يقف البرادعي خطيبا، في المسجد او الكنيسة، لكن القوم اعتبروا مجرد الصلاة، دعاية، كما اعتبروا الذهاب الى الكنيسة ممارسة للعمل السياسي داخل دور العبادة.. ولم يتوقفوا ليسألوا ولماذا يتم الاحتفاء بصلاة الرئيس مبارك العيدين في جماعة، وكذلك صلاة الجمعة الأخيرة في شهر رمضان، لتحتل الخبر الأول يوما بأكمله في تلفزيون البلاد، ومانشيتات الصحف القومية في اليوم التالي؟.
ولماذا أصبح ذهاب البرادعي الى البطريركية دعاية سياسية مذمومة، ولم تصبح كذلك وجمال مبارك يفعل ما فعله طيلة السنوات الماضية، ويتم التعامل مع ذهابه باعتباره حدثا إعلاميا جبارا، ودليلا على إيمان الوريث بالوحدة الوطنية؟
الذي يذهب لدور العبادة مصليا، او مهنئا، لا يقحم الدين في السياسة، لكن من يخلط بينهما هو من امم المساجد، وأخر صلاة الجمعة عشر دقائق في المنصورة، لانتظار خطيب كان قد تم تلقينه الخطبة في مباحث امن الدولة، ليستقبل بها البرادعي وتم الدفع به الى مسجد كان قد تم الإعلان عن ان البرادعي سيصلي فيه الجمعة، فلما وقع الاختيار على مسجد آخر، تم تأخير الصلاة اليى حين جلب الخطيب، ليحث المصلين ومن بينهم البرادعي على ان يسيروا خلف الرئيس مبارك، كما أسرف في الحديث عن طاعة الحاكم التي هي في حكم طاعة الله، الى غير هذا من فكر دشنه المستبدون على مر التاريخ الإسلامي وظل مساندا للطغيان، ووبالا على الأمة حتى الآن.
إنها أزمة سلطة شاخت في مواقعها، فلا تواجهوها الا بسعي جدي للتغيير السلمي، بعد ان أرسلت لنا الأقدار رمزا، لم يلبس وطنيته بظلم، ولم يتاجر بموقفه السياسي عند هذا النظام او ذاك، ومن حسن الحظ انه ليس خطيبا مفوها، وليس صاحب كاريزما جبارة، او عيون ساحرة، فما ينقصنا هو كاريزما الفكرة لا الشخص، وما نحتاجه هو دولة القانون، لا دولة الزعيم

----

- د. سمير عزوز
- تحية للبرادعى
http://www.taghyeer.net/news/details.aspx?id=855f8871-5b2f-4803-909d-ccb0707985e3

----

- د. سمير فريد
- البرادعى الذى بشر بثورة التغيير وأسامة الذى استقال فى ذروة الجبروت(2011)"المصري اليوم"
لم يستخدم أحد كلمة التغيير قبل محمد البرادعى، ولم يصبح أحد ملهما للشباب الذى قاد ثورة الشعب فى 25 يناير مثله، ولذلك لم يكن من الغريب أن يتعرض لأعنف حملة من الهجوم والتشنيع، قامت بها صحافة العهد البائد المسماة «قومية»، وأن يكون الاسم الوحيد الذى تهتف ضده مظاهرات الحمير، والجمال التى قادها البلطجية ضد مظاهرات الشعب، وأن يتضمن الهتاف سباباً، وماذا تتوقع من البلطجية غير السباب؟ مثل «يا برادعى يا جبان يا عميل الأمريكان»!

وهتفت مظاهرات البلطجية بأن البرادعى عندما كان مديراً لوكالة الطاقة الذرية ساعد أمريكا على إثبات أن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل، ليبرر غزوها للعراق لحساب إسرائيل! ونحمد الله على أن البلطجية لا يكتبون التاريخ، فكل هذا من نسج خيال لصوص الشعب المصرى، الذين أفزعهم صوت البرادعى الذى طالب بإسقاط النظام وجعل الشعب يدرك أنه لا حل إلا بإسقاط النظام ولصوص الشعب هم آخر من يتكلم عن العمالة لأمريكا أو غيرها. وصدق المسيح- عليه الصلاة والسلام- عندما قال إن الشرير يرى كل الناس أشراراً، وكذلك يرى عملاء أمريكا أن كل الناس عملاء لها، وقد اعترفت الدنيا كلها بأن البرادعى رجل سلام ومنحته جائزة نوبل للسلام، ولم يختلف عليه سوى البلطجية.

ونحمد الله على أن البرادعى كان يقضى أغلب وقته فى الخارج، بحكم موقع وكالة الطاقة الذرية فى النمسا، فلو كان يقضى أغلب وقته فى مصر ربما أصبح من المعارضة «الرسمية» التى تطالب بتغيير النظام من داخله، وليس إسقاطه، ولهذا السبب اختلف مع تلك المعارضة واختلفت معه، وأصبح مثل سارتر، عندما قال اليسار ضدى واليمين ضدى، أنا إذن على حق.

وعندما رفعت ثورة الشعب علم مصر وحده، ولم تهتف ضد أحد، ولم تطالب بغير الحرية كانت تعبر عن موقف البرادعى الذى طالب بالحرية لليمين واليسار، وآمن بأنه لا سبيل إلى ذلك إلا بإسقاط النظام، ولم يحد عن موقفه أبداً، ولم يتذبذب، وكان كالسيف القاطع. وماذا جنت مصر من الذين كانوا يقضون أغلب وقتهم فى «الداخل»، ويسرقون أموال الشعب، ويهربونها إلى «الخارج»؟

وإلى جانب البرادعى وقف الكاتب والمفكر السياسى الكبير، أسامة الغزالى حرب، وهو الوحيد الذى استقال من الحزب الوطنى فى ذروة جبروته وطغيانه، عندما أدرك استحالة التغيير من الداخل، ودفع الثمن غالياً من حياته وعمله، وليس مثل الذين استقالوا قبل ساعات من سقوط النظام.

----

 - سيد قاسم
- محمد البرادعى .. إن كنت تفكر.. فأنت مخطئ! (2009) "الشروق" المصرية
هكذا حسم الدكتور مفيد شهاب الأمر.. فقال «إنه يستبعد أن يكون العالم المصرى محمد البرادعى يفكر فى الترشيح بجدية لهذا المنصب الكبير.. وإن كان يفكر فهو مخطئ».

لقد تأملت هذا الكلام وتذكرت كتابات الأديب البريطانى الكبير جورج أورويل حول النظم الشمولية التى تعاقب على جرائم التفكير.. ففى كتابه الشهير المسمى «1984»، كانت هناك جريمة تسمى جريمة التفكير التى يستدل عليها بجريمة تعبير الوجه، فإذا كنت تحمل ابتسامة ساخرة مثلا أثناء إلقاء «الزعيم» لخطابه «التاريخى» فهذا يدل على تفكير مناهض للنظام يستحق العقاب.

جزى الله البرادعى كل خير فقد كشف لنا دون أن يقصد عن عورات النظام وضعفه واهتزازه بشكل لم نكن نتصور مداه. وبسرعة مذهلة دارت طاحونة الكذب والافتراء فى الصحف الحكومية وعلى ألسنة كهنة «المدينة المحرمة» وحراس أبوابها، فإذا الرجل الذى كانت تصفه نفس الصحف الحكومية بأنه مفخرة مصر وابنها البار الذى رفع اسمها عاليا والذى أشاد الرئيس مبارك بانتمائه لوطنه وبقدراته وخبراته، إذا به مزدوج الجنسية ومشكوك فى ولائه لبلده بل ويحمل لها ضغينة! وتنحصر خبرته فى مجال ضيق وهو الطاقة النووية، وله أجندة خفية ومدعومة من جهات أجنبية أمريكية ويقال إيرانية أيضا، «التى لديه نوايا حسنة بشأنها كما ذكرت جريدة الأهرام الغراء بل إن موقفه الشجاع من نفى وجود أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل تم تحوره فى خلايا جريدة الأهرام ليصبح تسهيلا لغزو العراق مع أن موقف البرادعى هو الذى حال دون إصدار مجلس الأمن لقرار واضح يسمح بأى عمل عسكرى ضد العراق بالرغم من الضغوط الأمريكية والبريطانية، الأمر الذى حدا بالولايات المتحدة إلى معارضة التجديد له فى الوكالة. هذا الموقف أى معارضة أهداف الولايات المتحدة علنا فى أمر يتعلق بالحرب والسلم ــ لم تشهده الساحة الدولية منذ أيام همرشلد فى أوائل الستينيات».

ولعل من أغرب ما جاء فى مقال د. عبدالمنعم سعيد ـ بجريدة الأهرام يوم 5/12/2009 هو أن مصر لم تكن فراغا سياسيا خلال السبعة والعشرين سنة التى غابها البرادعى عن مصر «فقد جرت فيها «تغيرات عظمى» ليس أقلها أن عدد سكانها أصبح الآن ثمانين مليون نسمة بعد أن كانوا أربعين مليونا فى الثمانينيات»!

فهل هذا يعد من مآثر إنجازات النظام التى تدعونا للتمسك به لاستكمال مسيرة المشوار الذى بدأه فى موضوع مصيرى مثل الانفجار السكانى!

البرادعى والملف النووى
يقول د. عبدالمنعم سعيد فى مقاله بجريدة الأهرام يوم 5 ديسمبر: «إن السؤال المهم الآن هو ماذا سيفعل د. البرادعى مع إسرائيل، فلديه تصور لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية يختلف عن التصور الذى تجاهد مصر من أجله». وقبل التعليق على هذا الشق من مقال د. سعيد أود أن أقول إن أحد المهام الرئسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية هو الإشراف على تطبيق معاهدة منع الانتشار النووى والتحقق من التزام الدول الأطراف بها لبنودها، ولأن مصر وجميع الدول العربية قد انضمت لهذه الاتفاقية بينما رفضت إسرائيل الانضمام إليها، فقد أصبحت إسرائيل حرة طليقة بينما كبلت مصر وسائر الدول العربية نفسها بهذه الاتفاقية، وحتى يعلم القارئ الحقائق التاريخية، فإن مصر وقعت على الاتفاقية عام 1968 فى عهد الرئيس عبدالناصر وبعد سنة واحدة من الهزيمة ولكنها علقت التصديق عليها بشرط انضمام إسرائيل لها، ثم بعد ذلك تنازلت مصر عن هذا الشرط وصدقت عليها فى عهد الرئيس السادات، بينما ظلت إسرائيل حرة طليقة ليس عليها أى التزام قانونى فى هذا الصدد.

وهذا مثال صارخ للقرارات المصيرية التى تتخذ فى غياب الديمقراطية دون مناقشة شعبية ودون شفافية، فماذا فعلت مصر؟ لم يعد أمامنا الكثير لنفعله سوى قيامنا بتقديم مشورع قرار سنوى إلى الوكالة يطالب بإنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط وهو القرار الذى عرف باسم القرار المصرى، وهو مقبول من جميع الدول حتى إسرائيل التى تعتبر أن ذلك هدف سيتم الوصول إليه بعد إقرار السلام الدائم فى الشرق الأوسط مع جميع الأطراف وقد أضافت إسرائيل باكستان أخيرا إلى المجموعة التى يجب أن تتخلى عن سلاحها النووى بعد السلام فى الشرق الأوسط وليس فى شبه القارة الهندية!

بالطبع البرادعى وأى مدير للوكالة يؤيد مثل هذه القرارات التى نطالب بإنشاء المناطق منزوعة السلاح النووى.

وهناك قرار آخر يقدم للوكالة سنويا ويسمى القرار العربى حول قدرات إسرائيل النووية. وموقف مصر تجاه هذا القرار لا يتطابق تماما مع الموقف العربى، نظرا لحسابات تتعلق بالعلاقات مع إسرائيل.

فأى أهداف هذه التى يتحدث عنها الدكتور سعيد التى تجاهد مصر من أجلها؟

ومادمنا بصدد الحديث عن البرادعى، فإننى أعلم أنه كتب ــ وهو دبلوماسى شاب فى بعثتنا فى جنيف ــ تقريرا يعارض فيه التصديق على اتفاقية منع الانتشار النووى.. وبالطبع ذهب أدراج الرياح.

البرادعى والسلك الدبلوماسى المصرى

على عكس ما زعمت الصحف الحكومية، لم يمر البرادعى على السلك الدبلوماسى المصرى مرورا عابرا، فقد عمل به قرابة الربع قرن من أوائل الستينيات وأصبح الساعد الأيمن للمرحوم إسماعيل فهمى وزير الخارجية فى السبعينيات وكان يتولى أهم الملفات، ومن بينها ملف الشرق الأوسط ثم عمل مع المرحوم الوزير محمد كامل حتى استقالته كما عمل لفترة كاملة فى بعثة مصر لدى الأمم المتحدة فى نيويورك ثم فى بعثتنا فى جنيف قبل أن يلتحق بمعهد الأمم المتحدة للأبحاث (اليونيتار) ثم الوكالة الدولية ــ وظل اسمه فى سجل الدبلوماسيين المصريين حتى بلغ سن المعاش ولايزال يحمل جواز السفر الدبلوماسى المصرى حتى الآن ولا يحمل غيره وليس لديه بالطبع أى جنسية أخرى كما صرح بذلك مرارا.

وأخيرا.. فماذا خلفته العاصفة؟
بعد أن هدأت عاصفة «الردح» الرسمية فدعونا نرى ماذا خلفته ورائها:
ازدادت قامة البرادعى ارتفاعا واحتراما وازداد الإعجاب به وتضاءلت قامات كثيرة، كنا نظنها ــ أو على الأقل بعضها ــ من الأخيار، وخلفت العاصفة وراءها أسئلة محيرة منها:
هل النظام بهذه الهشاشة والضعف، حتى أن مجرد الاعتذار عن الترشيح لعدم توافر الظروف الملائمة يثير كل هذا الذعر؟

هل هناك فى دهاليز السلطة والحزب الحاكم جزر متناحرة؟ فمن ناحية وجدنا آلة الإعلام الحكومى تنحو ذلك النحو الذى نعلمه ثم إذا بالدكتور حسام بدراوى وهو رئيس لجنة التعليم بالحزب الوطنى الحاكم يطلع علينا من الحزب بخط مغاير تماما أكثر عقلا ونضجا واحتراما، فهل هى نظرة جديدة للتعامل مع الموضوع بعد تحليل النتائج العكسية التى أسفرت عنها الحملة؟

ولكن الأمر يعود إلى دائرة الغموض مرة أخرى عندما تقرأ فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ 9/12/2009 وفى العمود اليومى للأستاذ سليمان جودة ما يفيد أن حسام بدراوى الذى يرأس لجنة التعليم بالحزب الوطنى الحاكم ممنوع من الظهور فى التليفزيون الحكومى، فقد حاولت الأستاذة فريدة الشوباشى أن تستضيفه فى برنامجها التليفزيونى وفى اليوم الذى تأهبت فيه للتسجيل جاءها أمر عاصف بأن د. بدراوى ممنوع من الظهور على شاشة التليفزيون المصرى، فهل هى عزب منفصلة، كل يتصرف فى عزبته كما يحلو له؟!

وعلى الجانب الآخر، فقد أثبتت الصحافة المستقلة أنها جديرة بهذا الاسم، أما المعارضة فإن انزعاجها لا يقل عن انزعاج الحكم فقد رضيت بالمغانم التى حصلت عليها واطمأنت بها وعلم كل أناس مشربهم ومأكلهم وكل واحد منهم يريد الاستمرار فى أن يلعب دوره الذى أتقنه دون أن ينافسه أحد.

شكرا يا د. محمد البرادعى فقد حركت المياه الراكدة وأضأت شمعة لن ينطفئ نورها بإذن الله.

----

 - سيد قاسم
- البرادعى.. وطائر النورس (2010) "مصر الجديدة"
جوناثان ليفينجستون هو طائر النورس الحر فى رواية ريتشارد ياخ ذائعة الصيت التى ظلت تحتل المركز الأول فى قائمة الكتب الأكثر مبيعا لمدة عامين على التوالى ومازالت تطبع ويعاد طبعها منذ أربعين عاما.. وهى تحكى قصة طائر صغير من طيور النورس تمرد على أسلوب قطيعة فى الحياة وقرر أن يحلق عاليا فى الفضاء ويجرب فنون الطيران السريع بدلا من القنوع بالطيران المنخفض حول السفن انتظارا لما تلقيه فى البحر من فتات البقايا وفضلات الطعام كما يفعل أقرانه فى القطيع صباح كل يوم. اكتشف ليفينجستون أن لديه طاقات كامنة لا تحتاج إلا أن يجربها ويصقلها بالمران.. واكتشف السعادة الغامرة فى الحرية التى اكتسبها أو استعادها.. واكتشف أن هذه الحرية لم تمنحة فقط السعادة المعنوية بل منحته طعاما أفضل كثيرا مما تلقيه السفن من فضلات.. فقد أصبح بإمكانه من خلال الطيران السريع وفنون الانقضاض.. أن يصطاد أسماكا طازجة لم يحلم بها شيوخ القيطع...شىء واحد كان ينغص عليه حياته الجديدة.. هو عدم فهم القطيع له ولأهدافه بل سوء الظن به.. وقد تنامى سوء الظن هذا حتى جاء يوم تحلقت فيه الطيور فى دوائر على رمال الشاطئ ثم طلب منه شيخ القطيع أن يقف فى مركز الدائرة الداخلية.. كان يعلم أن هذا يعنى أحد أمرين.. إما تكريمه للمهارات التى اكتسبها وإما إنزال العقاب به لتمرده.. وقد كانت الثانية فقد قام رئيس القطيع خطيبا وأعلن أن جوناثان قد تمرد على التقاليد وحاول نشر أفكاره الهدامة التى تدعو إلى ترك المألوف من عادات الآباء والأجداد والانطلاق بلا قيود إلى طبقات الجو العليا أى إلى المخاطر والمجهول بدلا من الاستقرار واستمرار الآمن المألوف.. الأمر الذى يشكل خطرا على أمن القطيع واستقرار الأوضاع ولذا فقد استقر الرأى على طرد جوناثان ليفينجستون من القطيع والتنبيه عليه بعدم العودة إليه أبدا وأطلق الجميع صيحات التأييد وحلق جوناثان مبتعدا عن القطيع. سرعان ما هدأت النسمات الباردة من طبقات الجو العليا من غضبة ومشاعر الكراهية التى اجتاحته.. إنه لا يكره القطيع بل يحبهم جدا فردا فردا ولكن يكره لهم معيشة الخنوع والمذلة وعدم استخدامهم لمقومات الحرية التى أودعها الله فيهم.. يعيشون على فضلات السفن بينما لو استخدموا أجنحتهم ومهاراتهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولذاقوا طعم الحرية التى لا يعادلها شىء.. إن أشد ما يؤلمه من الابتعاد عن القطيع هو علمه أن هناك الكثيرين من شباب القطيع يتوقون للحرية ولا يعرفون السبيل إليها.. إنه مستعد أن يساعدهم.. ولكن كيف؟ آه.. التدريب.. إنه مستعد أن يدربهم حتى يكتسبوا نفس مهاراته.. يكفى واحد أو اثنين فى البداية.. استراح جوناثان لذلك وعقد العزم على العودة إلى القطيع والاتصال بواحد أو اثنين ممن يتوسم فيهم الرغبة فى سلوك طريق الحرية.. ولن يصيبه أى أذى فهو محمى بسرعته فى الطيران التى لا يدانيه فيها أحد.

----

 - جلال عامر
- حديث بين السيد الرئيس والبرادعي !!! (2010) "منتديات المطاريد"
لقاء مبارك والبرادعى
(أعتقد أن السيد الرئيس أكبر من أن يسمح بخصومة شخصية مع أحد مواطنيه، لذلك أظن أنه سوف يلتقى بالبرادعى عند حضوره إلى مصر وأتخيل الحوار).

- حمدلله بالسلامة يا محمد، عامل إيه فى الوكالة؟

- سيادتك عارف يا أفندم إنى مشيت.

- وتمشى ليه! كنت خليك قاعد على قلبهم، عموماً إرمى ورا ضهرك، مش بيدوك معاش كويس؟

- الحمد لله يا أفندم.

- يعنى بيكفيك؟! خلاص بقى مادام بيكفيك يبقى ترتاح، الإنسان فى سنك محتاج راحة، عندك أولاد؟

- أيوه يا أفندم عندى أولاد.

- وبتحبهم؟

- طبعاً يا أفندم.

- عال عال، الأولاد فى السن الحرجة دى محتاجين رعاية.

- همه مش فى سن حرجة يا أفندم، دول متجوزين وعندهم أولاد.

- برضه يعتبروا فى سن حرجة.. إنت بقالك سنين بره بتتعامل مع «الكتلة الحرجة» بتاعة اليورانيوم، لكن السن الحرجة دى حاجة تانية خالص، ويا ترى إيه مشاريعك للمستقبل؟

- والله يا أفندم لسه مقررتش.

- ما قررتش إيه بالظبط؟ يعنى إيه هوه اللى إنت لسه ما قررتهوش؟

البرادعى يفكر (بعد السن الحرجة والكتلة الحرجة جاءت اللحظة الحرجة!)

- أنا يا أفندم ما قررتش لسه هل أقعد فى «فيينا» أو أرجع شقة «الجيزة».

- الجيزة كلها مشاكل، أديك قاعد هناك وكل فترة تييجى مصر تفتح الشبابيك وتهوى الشقة.

- لكن يا أفندم سمعت فى الجرائد إن الشعب.......

- (مقاطعاً) مالكش دعوة بالشعب، ماحدش فيهم يقدر ييجى جنب الشقة.

- يا أفندم مش قصدى، أنا بتكلم فى موضوع تانى، بيقولوا إن الشعب.......

- (مقاطعاً) خليهم يقولوا براحتهم، مش معاك عقد الشقة؟ وأديك اتفرجت على القصر من نِفسك، عايز إيه تانى؟

----

 - جلال عامر
- بعد أن يموت البرادعى (2010)"المصري اليوم"
أغداً ألقاك يا خوف فؤادى من غدى.. وآخر مرة حصل فيها زلزال فى مصر كنت ماشى فى الشارع فلم أشعر به لذلك رجعت البيت بسرعة «جرى» علشان ألحقه وفعلاً لحقته فى الإعادة.. وحضرتك تعيش فى دولة مستقرة خرجت من حزام الزلازل ودخلت إلى حزام الفقر لتستقر فى حزام المرور ومع ذلك أحياناً تمل من الاستقرار وتركب «مرجيحة» والسؤال هو أنهم قدموا الساعة وأخروا الساعة وحبسوا «هانى» وأفرجوا عن «هانى» وشالوا «زاهر» ورجّعوا «زاهر» دولة دى ولّا مرجيحة؟..
عموماً الرجوع إلى الحق فضيلة فأخيراً اعترفوا بحق البرادعى وأعلن وزير مهم فى الحزب الوطنى أن من حق الدكتور البرادعى، طبقاً للدستور والقانون أن يحصل على «جنازة» عسكرية إذا مات لأنه يحمل قلادة النيل.. وهو عرض جيد فشىء أفضل من لا شىء ومن لا يدخل القصر فى الدنيا أمامه الفرصة فى الآخرة والكرة، الآن، فى ملعب الدكتور البرادعى فعليه، أولاً، أن يغير استمارة التوقيعات إلى (هل توافق على حضور جنازة البرادعى؟) وتغيير اسم جمعية التغيير إلى جمعية دفن الدكتور البرادعى والانتقال من مرحلة التأييد إلى مرحلة التأبين.. وانتظروا، غداً، تصريحاً من رموز المعارضة يقول (نحن لن نشارك فى جنازة البرادعى لأنه لا يصلح) وفتوى بأن الترشح حرام..
وكل يوم الصبح أفطر زيتون بجوار التليفون فالتليفون المراقب يرمز إلى «واحة الديمقراطية» والزيتون الأخضر يرمز إلى «واحة سيوة» وأتذكر أغنية هيفاء «بوس الواحة» وأتصل بأمى للاطمئنان عليها ثم أتذكر أنها ماتت منذ ثلاثين عاماً وارتاحت فأضع السماعة داخل برطمان الزيتون..
ويحاول الحزب الوطنى أن يثبت أنه مرشح وضامن جنة وأن مصر «بتتقدم بينا» إلى الأمام.. إلى الإمام الشافعى حيث المقابر مكتوب عليها «هذا جزاء من يرشح نفسه».. وأنا جايب «مرشح» للحنفية وكل يوم تقول لى زوجتى (شيل «المرشح» ده من هنا إحنا مش عايزين مشاكل) وعندما يلاحظ ابنى الخناقة يتدخل ويقول (كحل وسط شيل «المرشح» واعمل له جنازة رسمية).. غداً إن شاء الله «حديث آخر الأسبوع» يا ريت نتقابل فى مكان هادئ غير المقابر.. إيه رأيك فى حديقة الأسماك وهات معاك «الطحينة».


----

- د.عمار على حسن
- خطة «حرق البرادعى» (2010)"المصري اليوم"
البرادعى ليس الأكمل فى حياتنا السياسية، لكنه الأفضل. والرجل ليس «البطل المنقذ» ولا «الزعيم الملهم» لكنه أقرب الرجال إلى قيادة المصريين فى معركة التغيير، وهو ليس خطيبا بارعا ساحر البيان وذرب اللسان، إلا أن عباراته المنحوتة بعناية تخاطب العقول وتستنهضها، وهذا ما تراهن عليه، وما تحتاج إليه، أمة لديها رصيد كبير من الوجدانيات والمشاعر الفياضة والأحاسيس الجياشة، وتنتظر فقط من يقنعها. والبرادعى ليس فوق النقد، ولا ما يقوله غير قابل للأخذ والرد، وما يطرحه ليس له أى قداسة، بل خاضع للنقاش والمداولة، ولم يعد يفيد المصريين أن يعيدوا صناعة أصنام جديدة.
عند هذا الحد ليست هناك مشكلة، فالبرادعى نفسه لا يدعى أبدا أنه أسطورة لا تقهر، أو أنه المخلص الذى أرسلته السماء أو أنبتته الأرض، ولم يتملك رأسه أى غرور بأنه القادر وحده على صنع معجزة التغيير، فالرجل يرفع دوما شعارا أثيرا لديه يستند إلى مبدأ: «مع الناس وبهم». ومع هذا تتكالب على البرادعى ومن حوله جهات عديدة، تدفع بعضها مآرب مفضوحة تسعى بدأب إلى «حرق البرادعى»، وبعضها يسوقه جهل أو غفلة، وآخر تسكنه هواجس مشتعلة فى رؤوس رجال يحبون الوطن، ويريدون أن يطمئنوا إلى أن البرادعى هو «الخيار الأحسن»، وأنه لن يترك الناس فى منتصف الطريق.
وفى ظل خطة «حرق البرادعى» أطلقت فى ثلاث رصاصات باتجاه «الجمعية الوطنية للتغيير» أولاها تدعى أن البرادعى طلب تعديل المادة الثانية من الدستور مع أن مطالبات الرجل حول الدستور، وفق ما جاء فى البيان الذى يجمع عليه الناس توكيلات له، انحصرت فى تعديل ثلاث مواد هى: ٧٦ المفصلة على مقاس «الوريث» و٧٧ التى لا تضع أجلا محددا لبقاء الرئيس فى الحكم، و٨٨ التى أبعدت القضاء من الإشراف على الانتخابات.
وقد سمعت البرادعى يقول حين سئل عن المادة الثانية تلك: «يتعدل الدستور وفق إرادة الأمة، ويعبر عن مصلحتها العامة، وليس لشخص ولا لجهة أن تنفرد بذلك، والشعب المصرى هو القيّم على الدستور ومواده، ولا افتئات على ما يريد.. المشكلة أن النظام يتمسك بهذه المادة شكلا، بينما فى الواقع يمارس التمييز ضد الإخوان المسلمين مثلا، ولا تعجبه الاقتراحات والاجتهادات، التى تريد تجديد الفقه القانونى الإسلامى بما يجعل هذه المادة تمارس فى الواقع العملى، وليست مجرد شماعة تدعى السلطة من خلالها أنها تحمى الإسلام، بينما القوانين بعيدة عن هذا.. فى كل الأحوال فالدولة المدنية التى نطالب بها لا تعنى أبدا التخلى عن الدين، بل هى الأكثر قدرة على صيانته، وقد سمعت كثيرا آراء من فقهاء يتحدثون صراحة عن أن شكل الدولة فى الإسلام مدنى بطبعه».
أما نسبة الـ٥٠% للعمال والفلاحين بمجلس الشعب، التى نُسب إلى البرادعى أنه يرغب فى تغييرها، فالرجل كان واضحا فى هذا وضوحا ناصعا حين قال أمام جمع من الأدباء والمفكرين: «أنا شخصيا أتمنى أن تصل هذه النسبة إلى سبعين فى المائة أو أكثر لكن بفعل الاختيار الحر للشعب، وليس النسب المحددة سلفا، التى لم تعد سوى مسألة شكلية، لا يستفيد منها الفلاحون والعمال الحقيقيون، فنحن نجد لواء سابقا بالجيش أو الشرطة يحتل مقعد العامل بالبرلمان، ونجد كبار الملاك يجلسون فى مقاعد الفلاحين، ويوافقون على تشريعات تضر بمصلحة الفلاح الكادح».
وإذا كان البرادعى يقول إن الثقافة السياسية السلبية التى نعيشها هى بفعل ستين سنة من القهر والاستبداد، فإن هذا لا يعنى أن الرجل لا يمتدح كل لحظة ما أنجزه عبدالناصر فى مجال التنمية، وما أوجده من هيبة ومكانة للدولة المصرية على مدار ما يقرب من عقدين من الزمن، إلى جانب إعجابه بنظافة يد ناصر ووطنيته، ويجب على كل من ينظر إلى هذه المسألة بإمعان أن يفرق بين تجربة عبدالناصر من ١٩٥٤ وحتى ١٩٦٧، وبين السنوات التى أعقبت الهزيمة، حيث اتسع هامش الحرية، وبدأت رحلة القضاء على مراكز القوة والنفوذ التى تسلطت على رقاب الشعب.
وما يحزن جميع المصريين أن الإنجاز المادى الهائل لثورة يوليو قد تبدد من الأيام، لاسيما فى الثلاثين سنة الأخيرة، ولم يبق منها سوى «الميراث الاستبدادى». وإذا كان الناس قد غضوا الطرف عن هذا أيامها لحساب العدالة الاجتماعية، فى وقت كانت فيه ٧٠% من النظم السياسية فى العالم يصمها التسلط وحكم القلة أو الحزب الواحد، فإن هذا لم يعد مستساغا الآن، بعد أن هبت نسائم الحرية على كل بقاع الأرض تقريبا، ما عدا العالم العربى، الذى لا يزال يرسف فى أغلال القهر والفساد.
ومن بين الخطط المرسومة لحرق البرادعى إطلاق الشائعات المغرضة حول حياة الرجل الخاصة، وحول أسرته الصغيرة، وتصرفاته وسلوكياته ومواقفه أيام عمله مديرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن المحتمل أيضا أن يسعى النظام إلى استخدام منافسى البرادعى، أو بعض من اقتربوا منه، دون أن يقتنعوا به أو يؤمنوا بما يطرحه من أفكار، فى قول كلمات وتبنى اتجاهات تقدح فى الرجل، وتحاول أن تنال منه.
فى كل الأحوال فإن البرادعى نفسه يجب أن يدرك أن طريقه إلى التغيير ليس مفروشا بالورود، وأنه يتعامل مع نظام ألِفَ لعبة حرق الخصوم السياسيين، ويتقنها جيدا، وأن الملاذ الوحيد لوأد هذا الإفك فى مهده هو الالتحام أكثر بالناس، والمزيد من الصراحة معهم، والإيمان بقدرتهم على صنع المستقبل.


----

- د.عمار على حسن
- بيت البرادعى  (2010) "مصر الجديدة"
ذهبت يوم الأربعاء الماضى بصحبة كوكبة من الأدباء إلى بيت الدكتور محمد البرادعى وفى مخيلتى تبرق الصور الناصعة الفخيمة التى فرقتها صحف السلطة ومجلاتها على عيون القراء، وأرفقتها بتعليقات وتصريحات وتلميحات، حاولت أن تظهر الرجل وكأنه يعيش معزولا عن العالم فى قصر منيف، يتوسط حديقة مترامية الأطراف، فيها ما ندر من أشجار باسقة، وزهور فواحة، ونسائم طرية، يلقى لها رأسه، فيرفل فى نعيم مقيم، يمحو من ذاكرته صور بيوت الطمى، وعشش الصفيح المتداعية، التى يعيش بين جدرانها المتهالكة عشرات الملايين من المصريين.
ومررنا من بوابة «قرية جرانة» وداست أقدامنا على ممر ضيق، تقع فى نهايته «فيلا» البرادعى. دخلنا من الباب، ووقفنا فى مساحة ضيقة بين السور وجسم البناية، حتى ظهر المهندس على البرادعى مبتسما، وصافحنا، وأشار إلى أن نتبعه، فغصنا فى ممر ضيق قصير انتهى إلى الحديقة، فلما رأيتها مسحتها بعينى فى ثلاث ثوان، وراحت الضحكات الساخرة ترقص داخلى، ثم لم تلبث أن ماتت على شفتى فى مرارة قاسية من تزييف واقع عادى يعيشه البرادعى، وإظهار الرجل، زورا وبهتانا، وكأنه من القياصرة أو الأباطرة أو «الباشوات» بغية بناء جدار «فولاذى» جديد بينه وبين الناس.
وجلسنا على مقاعد «بلاستيكية» مثل تلك التى نجلس عليها بالمقاهى البسيطة وسط البلد، وشردت قليلا، فلدغنى اتهام الرئيس مبارك لرجال الأعمال الذين سمنوا فى عهده ب«الفشخرة» واستدعت ذاكرتى عشرات «الفيلات» التى يملكها زملاء لنا فى عالم الصحافة والكتابة، وبعض الموظفين الكبار، وأصحاب الأعمال الحرة البسيطة وغيرهم من المصريين الذين ينتمون إلى «الطبقة الوسطى» فوجدت أن بيت البرادعى واحد من كل هذه البيوت.
نعم لا يمتلك أغلب المصريين بيوتا كهذه، جراء الظلم الاجتماعى الفاحش الذى وقع عليهم، لكن البرادعى لم ينهب بيته الصغير من المال العام، ولم يبنه على جزء من أرض الدولة استولى عليه، ولم يأخذه منحة من حاكم أو أمير، ولا هو رشوة قدمها له غيره ليتغاضى عن أخطائه أو يعطيه ما ليس من حقه، إنما هو من حر ماله الذى ادخره من الراتب الذى تقاضاه من وظيفته الدولية المرموقة، أو حتى من عمله كدبلوماسى بالخارجية المصرية، وهو فى النهاية بيت عادى وطبيعى بالنسبة لواحد فى موقعه ومنصبه وثقافته.
وعدت أمسح حديقة البيت ببصر لا يكاد يمتد حتى يرده سوران متوازيان يعانقان أشجارا عالية تحجب فضول الجيران والمتطفلين، وبين السورين مساحة ضيقة مربعة من العشب الأخضر، تعانق حمام سباحة صغيراً رائقاً، يبدو بقعة زرقاء ترقب حوائط البيت المتناسقة بلا افتعال، المتساوية بلا فخامة، التى تنتصب على أمتار يمسك بعضها بعضا من البلاط العادى. هكذا بدا لى البيت من الخارج، فهتفت من أعماقى: يسقط الزيف.
ولم يكن الزيف يزيد لدىّ فى هذه اللحظة على صور جرائد السلطة للبرادعى وهو يجلس مطرقا فى تفكير عميق على مقعد خشبى مغروس فى حشايا النجيل وتحته عبارة «البرادعى باشا»، ولم يتعد الزيف أيضا كل ما أعرفه عن بيوت رجال الحكم وأتباعهم، الفارهة فى كل مكان، قصور وفيلات وشاليهات وأفدنة لا تحصرها العين من الحدائق الغناء، وحمامات تزخر بماء مقطر، وأراض ممتدة بلا نهاية، وأطعمة تأتى من باريس، أو تنبت فى أرض غير تلك التى ينمو فيها ما نأكله، ومئات الخدم والحشم والحرس، وعشرات الحيوانات الأليفة، التى تعيش فى بحبوحة لا ينالها حتى أبناء الطبقة الوسطى من المصريين.
وبينما أتقلب بين ما تراه العين من بساطة آسرة وما تلقى به الذاكرة من فخامة تغيظ، جاء البرادعى، بلباس بسيط وقلم وأوراق، صافحنا جميعا، ثم جلس، وتحلقنا حوله نتطلع إلى الرجل الذى يعول عليه الناس، ثم انفتح باب الحديث، أسئلة وأجوبة واقتراحات ورؤى، لثلاث ساعات كاملة، كنا نتكلم ونسأل فيصيخ السمع حتى ننتهى، وكان يرد فننصت إليه بإمعان، لكن الجميع خرجوا وهم يحملون للرجل حبا وتقديرا عميقين، وإشفاقا عليه من هول المهمة الملقاة على عاتقه، وحرصا دفينا على أن يؤدى كل منهم دوره، مستجيبا لقول البرادعى: كل واحد من المصريين مسؤول عن التغيير.
كان الكلام يجرى على الألسنة سخياً رخياً، بينما الجباه يتفصد منها عرق غزير، فى وقدة شمس الظهيرة اللافحة. بعضنا راح بالتدريج ينقل مقعده إلى بقعة الظل النائمة تحت فروع الشجر، حريصا فى الوقت ذاته على أن يظل قريبا من الرجل، وعلى ألا ينقطع الحديث ولو برهة. وبينما نحن ننقل مقاعدنا تباعا، قام البرادعى وتطوع أن يجلس هو فى البقعة المشمسة ليأخذ نصيبه من الحر والعرق، لكننا أفسحنا له بيننا، واقتربنا منه أكثر.
لم أدخل إلى بيت البرادعى، اللهم إلا «دورة المياه» القريبة من «حمام السباحة» الصغير، التى استعملها أغلبنا طوال الجلسة، فوجدناها بسيطة هى الأخرى، قيشانى وأدوات صحية مألوفة لدينا. لكن يقينى أن البيت من الداخل عادى هو الآخر، لأن الخارج يدل عليه.
وبعد عودتى قلت لأحد أصدقائى ضاحكاً: قد يكتب الجميع عما دار أثناء اللقاء من مناقشات ومداولات لينبهوا الناس إلى ثقافة الرجل وذكائه وتواضعه، أما أنا فسأكتب عن شىء آخر، فسألنى: ما هو؟ فأجبته على الفور: بيت البرادعى! فامتلأ وجهه دهشة وقال: أهذه مسألة مهمة؟ فقلت: لم تكن كذلك قبل أيام، لكن إلحاح كتاب السلطة على إظهار الرجل وكأنه يعيش كالقياصرة والأباطرة وأصحاب الجلالة والفخامة والسمو وأرباب أموال الانفتاح أو «السداح مداح» ربما جعل من بيت البرادعى قضية لا تقل أهمية عن كلامه، فقال لى باسما: لخص لى الرجل وبيته؟ فأجبته على الفور: كلاهما متسق مع ذاته، ومظهره يدل على مخبره.

----

- د.منار الشوربجى
- زخم البرادعى وآفاق التغيير (2010)"المصري اليوم"
يستحق الدكتور البرادعى التقدير والاحترام لإصراره على أن يرفع صوته مساندا لمواطنيه الذين يؤمنون بأن مصر العظيمة تستحق أفضل بكثير مما هى فيه، فالرجل الذى حقق مكانة دولية مرموقة خارج مصر كان بإمكانه أن يكتفى بذلك ويقضى سنى شيخوخته مستمتعا بما أنجز، بعيدا عن صخب السياسة وتوتراتها، لكنه آثر أن يستخدم تلك المكانة ليلقى حجرا فى المياه الراكدة.
لكن الحجر الذى ألقاه البرادعى لم يكن الأول، ولن يكون الأخير بالمناسبة، فهو حجر جاء ليستقر إلى جانب أحجار أخرى، كانت قد ألقتها قبله رموز وقوى مختلفة عبر كفاح طويل، دفع الكثيرون فيه أثمانا باهظة، والساحة السياسية المصرية لم تكن ساكنة حين أتى البرادعى فى فبراير الماضى، لكن مكانة الرجل واسمه الدولى أضافا زخما جديدا لما كان موجودا بالفعل، وكان المطلوب فى تلك اللحظة أن يتم «تضفير» الجهود كلها، إذا جاز التعبير، من أجل إحداث نقلة نوعية مهمة للأمام.
لكن أخطاء كثيرة وقعت خلال العام أدت لتفكيك ذلك الزخم لحد كبير، بل أدت فى تقديرى للإضرار بالتراكم الذى كان قد حدث قبل وصول البرادعى.
ولعل الخطأ الأول كان عدم الانتباه لأهمية التراكم، بل لطبيعته حتى يمكن البناء عليه، فأى عملية تغيير حقيقية هى بحكم التعريف عملية طويلة الأجل، يمثل التراكم أهم مقوماتها على الإطلاق، فإذا أنت بدأت كل يوم من نقطة الصفر تكون فى الحقيقة تعيد إنتاج العجلة ولا تبنى على ما جرى وتعى دروسه، فتعطل بذلك عملية التغيير، وهو للأسف ما حدث إلى حد كبير فى غمرة الانفعال بظاهرة البرادعى. فقد بدا الأداء وكأن مصر صفحة بيضاء خالية من الخبرات والتجارب والدروس المستفادة، واستخدمت فى ذلك حجة بائسة مؤداها أن ما سبق انتهى كله بالفشل، وكأن التراكم لا معنى له.
أما طبيعة التراكم ذاته، فلم تلق هى الأخرى العناية الواجبة، فالحجر الأول الذى ألقى فى مياه هذا العقد الراكدة كان حركة كفاية التى كان أهم إسهاماتها على الإطلاق أنها كانت حركة عابرة للأيديولوجيات. فهى جمعت بين مؤسسيها كل ألوان الطيف السياسى، من اليسار للإسلاميين ومن الناصريين لليبراليين، فقدمت بذلك لمصر طريق الخلاص من ثنائية «إما الحزب الوطنى وإما الإخوان»، فكفاية مثلت النواة الأولى التى كان من الممكن- إذا ما تمت العناية بها وتغذيتها- البناء عليها للوصول للوفاق الوطنى الذى لا يمكن حدوث التغيير فى مصر دونه، وكفاية كانت أيضا قد كسرت الكثير من المحرمات وأحيت ثقافة الاحتجاج، فهيأت التربة لما تلاها من سلسلة الاحتجاجات الفئوية والمهنية التى شهدتها مصر طوال السنوات الماضية.
كان المطلوب إذن، بعد أن أضيف زخم البرادعى لما يجرى أصلا، أن يتم البناء على ذلك كله، لكن ما حدث كان شيئا مغايرا، فلا البرادعى اهتم ببناء الوفاق الوطنى أو حدد الخطوط العريضة للحد الأدنى الذى يقترحه لبنائه، ولا طالبه الذين التفوا حوله بالعناية بتلك المسألة. ولا أظن أن أحدا يعرف على وجه التحديد موقف الدكتور البرادعى من تلك المسألة، ولا من قضاياها الرئيسية الثلاث التى يوجد بشأنها انقسام واضح داخل الجماعة الوطنية، أى العلاقة بين الدين والدولة والاستقلال الوطنى والقضية الاجتماعية الاقتصادية. بل أكثر من ذلك، فإن عدم العناية بتلك القضية نتجت عنه تصريحات على لسان البرادعى تفرق بدلا من أن تجمع القوى الوطنية حول مشروع واحد، فتصريحاته مثلا عن ثورة يوليو وعلاقة الدين والدولة استعدت الناصريين والإسلاميين، لكن تراجع البرادعى الضمنى عما قاله بشأن الدين والدولة عندما تحالف مع الإخوان لم يحل المشكلة، لأنه تحالف قفز على ملف الوفاق الوطنى بدلا من أن يصب فيه. أضف لذلك كله أن البحث فى كيفية استثمار ما تحقق بشأن ثقافة الاحتجاج وتطويرها لم يلق هو الآخر عناية تذكر.
لكن لعل المعضلة الأهم على الإطلاق عند البرادعى هى التواصل، فأنت تستطيع أن تقود التغيير حتى لو افتقرت لكل المقومات باستثناء أمر واحد هو التواصل مع الناس، ومعضلة التواصل عند البرادعى لا تقتصر، كما يقول البعض، على وجوده المحدود فى مصر بين سفرات تطول شهورا، ولا هى تتعلق فقط باعتماده على العالم الافتراضى فى مجتمع فقير لا يملك أغلب أبنائه الكمبيوتر، ناهيك عن ارتفاع معدلات الأمية فيه أصلا، فمعضلة التواصل عند البرادعى أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. فالذين درسوا الحركات السياسية فى العالم يعرفون جيدا أنه يستحيل أن تصل للناس إلا من خلال أمرين، أولهما أن تتواصل معهم من خلال خبراتهم لا خبراتك، وثانيهما أن تنجح فى إقناعهم، ليس بقدراتك وقيمتك عموما، وإنما بقدرتك على الدفاع عنهم وتحقيق النصر لهم فى النهاية.
ومعضلة البرادعى هى أنه لا يتواصل مع الناس من خلال خبراتهم، ويخلط بين التكتيك والاستراتيجية الكلية.
فالإصرار على التوقيع على المطالب السبعة أولا، واعتبار أن من لم يوقع عليها ليس من حقه أن يتحدث عن التغيير هو خطاب مبنى على رؤية ضيقة تفترض التغيير من أعلى بدلا من أن تربطه بهموم الناس وخبراتهم، وتفتح من أجله الأبواب لمشاركتهم، كل بالطريقة التى يفضلها، وإصرار الدكتور البرادعى على تجنب الخوض فى القضايا التى تمس حياة الناس مباشرة يزيد الفجوة.
ومما يزيد من تعقيد الموقف أن البرادعى الذى لا يتواصل مع الناس من واقع خبراتهم يشترط عليهم ألا يتحرك هو إلا إذا تحركوا، وهو بذلك يقلب المسألة على رأسها، فلو أن الناس ستتحرك قبله لانتفت الحاجة له أصلا، فالناس تريد أن تثق أولا بأنك قادر على الدفاع عنهم وتحقيق ما يبتغون، والمصريون أذكياء، فهم ككل شعوب الدنيا إذا ما أيقنوا أن تغيير أمر ما ليس بيدهم فإنهم ينصرفون عنه، وهنا يأتى دور القيادة التى تبعث الثقة فى إمكانية التغيير بل فى قدرتها على قيادته.
باختصار فإن تجاهل التراكم السياسى، والإحجام عن اتخاذ مواقف واضحة من القضايا الحيوية، ثم انتظار أن تتحرك الجماهير قبل النخبة ضيّعت الفرصة وفككت الزخم، وهو ما يعنى فى الحقيقة تعطيل التغيير لا دفعه للأمام.

----

- المستشار محمود الخضيرى
- البرادعى والتغيير (2010)"المصري اليوم"
حضرت الاجتماع الذى عقد فى منزل أو فيلا الدكتور محمد البرادعى فى أول شارع الهرم يوم الثلاثاء قبل الماضى الموافق 23/2/ 2010 مساء وحضر معى فى هذا الاجتماع نخبة من مفكرى مصر المتصدين من أجل الإصلاح والتغيير فى الفترة الأخيرة تم اختيارهم بحيث تكون كل الأفكار على الساحة ممثلة فى هذا الاجتماع، وبدأت المناقشة الساعة السابعة والربع وكان يديرها الأخ الفاضل الدكتور حسن نافعة بعد أن طلب منه الدكتور محمد البرادعى الذى كان يجلس إلى جواره ذلك، واخترنا للرجل مكانا للجلوس متوسطا حتى يستطيع الكل سماعه وبدأت المناقشة بقفشة أطلقتها أنا حيث طلبت من الدكتور البرادعى الجلوس على مقعد غير مريح وعندما استفسر بعض الحضور عن سر هذا الطلب قلت لهم لأن هذا الكرسى غير المريح لا يلتصق بالجالس عليه وضحك السامعون،
 وبعدها بدأ الحوار الذى كان منظما يتيح لكل من يريد الحديث بأن يقول رأيه فى حدود الوقت المسموح، وبالطبع لا يمكن سرد كل ما قيل على مدى ساعتين ونصف فى هذا المقال، ولكن يمكن تلخيص ذلك فى القول بأن الكل كان مجمعا على حاجة المرحلة القادمة للتغيير والإصلاح السريع الذى لا يمكن أن يحتمل التأخير، وبدا الكل متفهما للعقبات التى تعترض هذا التغيير خاصة القبضة الأمنية الشديدة على كل من تشعر الحكومة أنه جاد فى هذا الطلب،
 ولكن الكل تقريبا كان مستعدا لدفع هذا الثمن مهما كان غاليا، بدأت حديثى فى الوقت المتاح لى بتذكير الحضور بأن المرحلة صعبة والكفاح شاق وطويل، وبضرورة النزول للشارع مهما كان الثمن، لأن النخبة وحدها لا تصنع تغييرا ولا تستطيع فرضه وأن هذه النخبة من غير رجل الشارع لا قيمة لها ولا وزن وقلت مخاطبا الدكتور البرادعى إن رجل الشارع لابد أن يحس به لأنه حتى الآن بالنسبة له خيال وحلم جميل يود أن يراه مجسما على الأرض وأنه يتوقع أن يراه يسير فى مظاهرة مطالبة بالإصلاح والتغيير وأن تتصدى له الشرطة وقد يسقط هو على الأرض وتكسر نظارته ويتم تصويره على هذا النحو، عندها يشعر رجل الشارع أن هذا الرجل منه ويكافح من أجله،
 وتذكرت، وأنا أتحدث، منظر المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيرى المنسق العام لحركة «كفاية» الأسبق والشرطة تحاول التصدى له وأنصاره يحيطون به ويحاولون حمايته من بطشها، لم يشفع له فى ذلك مرضه ولا شخصيته العلمية ولا مكانته الأدبية، وقد اشتد عليه المرض بعدها ورفضت الحكومة علاجه على نفقة الدولة رغم استحقاقه له لعدة أسباب منها: مكانته العلمية والأدبية وعدم قدرته المالية لضخامة التكاليف، هذا العلاج الذى يتلقاه القادرون ماليا من أصحاب الحظوة عند الحكومة، قلت ذلك وكنت أود الاستطراد فى هذا الشرح لولا ضيق الوقت المحدد للحديث.
ما أشبه الليلة بالبارحة، ما يحدث اليوم من تعلق الناس بالدكتور محمد البرادعى باعتباره الشخص الذى يمكن أن يخلصهم مما هم فيه من أزمات يذكرنى بتعلق الناس بالقضاة أثناء قيامهم بالاعتصام والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بنزاهة الانتخابات واستقلال القضاء وتذكرت هتافهم المعتاد (يا قضاة يا قضاة خلصونا من الطغاة) هذا الهتاف الذى يبين مدى ثقة الناس بالقضاة وتعليق الأمل عليهم فى تحقيق الحرية والديمقراطية التى يتطلعون إليها، والحقيقة أن هذا الأمل وضع على القضاة مسؤولية كبيرة لم يكن فى استطاعتهم القيام بها وحدهم وأحسوا أن الأمر أكبر من طاقتهم وهم الذين لا يملكون سوى قلم رصاص وممحاة وأوراق لا تحترم الحكومة ما يسطر فيها إذا كان لا يتفق مع رغبتها، وكثيرا ما تلقى به فى سلة المهملات بحجة تعرض الأمن للخطر فى حالة ما إذا تم تنفيذ هذه الأحكام أو القرارات، وكأن رجال القضاء يفتقدون الإحساس بأمن الناس والوطن وهم الذين أسند إليهم القانون المراقبة والتعقيب على قرارات الشرطة فى الحبس والاعتقال.
تذكرت ذلك وأنا أرى التفاف النخبة والناس حول الدكتور البرادعى باعتباره المخلِّص بعد أن فشل القضاة فى القيام بهذه المهمة، وقلت لنفسى إنى أخشى على الرجل أن نضع على عاتقه هذه المسؤولية الصعبة دون أن نعاونه على ذلك، هذه المسؤولية التى لا يقوى على القيام بها فرد أو حتى جماعة مهما كان عددها، بل هى مهمة الشعب كله رجاله ونسائه، شيوخه وشبابه، عماله وفلاحيه وموظفيه، لابد أن يشعر كل إنسان فيه أن القضية قضيته وأنها فى حاجة إلى جهده مهما كان هذا الجهد ضعيفا.
القائد الذى يقود التغيير لا يملك عصا سحرية ولا خاتم سليمان يسخّر به الجان لتحقيق رغباته ورغبات من حوله ولكن يمتاز عمن حوله أنه أكثرهم إصرارا على الكفاح وصبرا عليه واستعدادا للتضحية من أجله مهما كانت هذه التضحية، وكم من الزعماء خرجوا من السجن إلى كرسى الرئاسة، شفى الله نيلسون مانديلا أحدث زعيم فى العالم حاليا الذى أمضى سبعا وعشرين عاما فى السجن ثم خرج منه إلى كرسى الرئاسة، ولكن كان وراءه شعب مكافح صبور، لم ييأس ولم يستكن حتى تحقق له ما أراد وخرج زعيمه من السجن وتحقق للشعب مراده.
الطريق ليس سهلا ولا ممهدا، وقد شبه الدكتور البرادعى من يطلب منه الترشيح فى هذه الظروف بمن يطلب منه قيادة سيارة تالفة فى طريق غير ممهد، فلابد أولا من إصلاح السيارة ثم تمهيد الطريق حتى يمكن للقائد قيادة السيارة والوصول بها إلى الغاية التى يقصدها، وإصلاح السيارة فى حالتنا هو تجميع جميع القوى السياسية الراغبة فى التغيير والإصلاح فى بوتقة واحدة، وتمهيد الطريق يتمثل فى العمل على إيقاظ الناس من غفوتهم وإفهامهم أن العمل لابد أن يكون عملا جماعيا يشترك فيه جميع قوى الشعب القادرة على المشاركة، وكل دور القادة فى هذا الأمر هو أن يكونوا فى مقدمة الخارجين، فلا يمكن أن تدعو إلى مظاهرة من أجل التغيير وأنت قابع فى منزلك وعلى فراشك أو فى مكتبك بل لابد أن يراك الناس فى المقدمة ويسيرون خلفك وهم فى هذه الحالة سيكونون على استعداد لحمايتك والدفاع عنك لأنك رمز لهم، وفى سقوط الرمز سقوط الجميع، لأنه العلم الذى يرفعونه عاليا خفاقا.
يعتقد الكثيرون أن مكانة الدكتور البرادعى العالمية وفى المجتمع الدولى كفيلة بحمايته من الاعتداء لأن هذا سيضع الحكومة فى موقف حرج، وهذا نفس ما كان يعتقده البعض من القضاة فى أن الحصانة القضائية تحميهم وتكف عنهم أذى الحكومة، وإذا كانت الحصانة قد كفت عن القضاة بعض أذى الحكومة فإنها لم تكف عن المحيطين بهم هذا الأذى، وتعرض الناس للاعتقال والقمع ولم يستطع القضاة حمايتهم وانفض الناس عنهم وكان مصيرهم كما يعلم الجميع، وهو ما شعرت أثناء لقائى بالدكتور البرادعى أنه يخشاه ويعمل له ألف حساب، وهو على حق تماما فى خشيته، لأنه إذا كان الدكتور البرادعى شخصية عالمية يهتم بها العالم كله فإن ذلك كان أثناء توليه هذا المنصب العالمى،
 أما الآن وبعد أن ترك هذا المنصب فإن الأضواء لابد أن تخف من حوله وهو الآن يستمد مكانته من تعلق الناس به على أنه مخلِّصهم مما هم فيه من قهر وظلم وفقر، فإذا انفض الناس عنه فإن قوته تزول ويزول معها اهتمام الناس به واهتمام العالم بما يحدث له ويكون مصيره مصير أى معارض فى مصر، وهذا ما جعل الرجل يتردد فى البداية فى إعلان هذا التحالف فهو كما قال لا يخشى عدم التوفيق فى الوصول إلى كرسى الرئاسة لأن هذا أمر محتمل ووارد ولو كان الأمر غير ذلك لما كانت هنا انتخابات، لأن الانتخابات التى نعرف نتيجتها مقدما لا تعتبر انتخابات بل هى مسرحية معروفة النهاية شاهدها الناس قبل ذلك عدة مرات. ولكن ما نخشاه هو أن يتكون هذا التجمع وينفض مثلما انفض غيره دون أن يحقق النتائج المرجوة منه وهنا يكون الفشل الحقيقى لا قدر الله.
هذا هو ما يخشاه الرجل، وقد خرجنا من الاجتماع يحدونا جميعا الأمل فى أن يكون هذا التجمع الجديد أكثر حظا من التجمعات السابقة خاصة أنه جمع جميع الاتجاهات فى مصر العاملة فى هذا المجال، وهى البداية الصحيحة لأى عمل والخطوة الأولى فى الاتجاه الصحيح أو كما يسميها الرجل إصلاح السيارة التالفة، وبقى بعد ذلك تمهيد الطريق للسير حتى تتمكن السيارة من الوصول إلى هدفها، وأعتقد أن هذه المرحلة هى المرحلة الصعبة فى المشوار الطويل خاصة أن الطريق الذى نسير فيه ملىء بالعقبات والمطبات التى يمكن أن تعوق السير، بل ولا أشك لحظة فى أن الحكومة ستعمل جاهدة على إتلاف السيارة مرة أخرى كما تفعل فى كل تجمع تستشعر منه الخطر كما تفعل فى النقابات العامة وكما فعلت فى نادى القضاة، وهى محاذير يجب أن تكون أمام أعيننا جميعا فى المرحلة المقبلة.
وفى الختام أقول إنى شعرت وأنا خارج من هذا الاجتماع أننا ألقينا حملا ثقيلا على الرجل حاول جاهدا أن يأخذ فرصة للتفكير فى أمر الإعلان عن قبوله ولكنه اضطر فى آخر الأمر للإذعان لرغبة الحاضرين، وقلت لنفسى: ليتهم أعطوا الرجل فرصة أكبر للدراسة والتفكير فى الأمر،
ولكن يبدو أن الحماس الشديد قد أخذ الجميع، الشيوخ منهم قبل الشباب وهم معذورون بالطبع فقد طال بهم الأمد فى الضياع والتبرم مما هم فيه ويبحثون عن الخلاص، وقد صارحت الأخ الفاضل الدكتور حسن نافعة بما يجول بخاطرى فشاركنى هذا الإحساس، وهو إحساس لا ينال من مكانة الرجل ولا من نيته الخالصة فى التغيير والإصلاح ولكنه على العكس يدل على أن الرجل لا يسعى إلى المنصب بقدر سعيه إلى العمل من أجل مصر وشعبها ويدل على تقديره لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتى لا يستطيع بالطبع القيام بها بمفرده ولابد أن يشاركه الشعب كله فى تحملها.

----

 - د. عمرو الشوبكى 
- عودة البرادعى (2009)"المصري اليوم"
سيصل الدكتور محمد البرادعى غدا إلى القاهرة بعد أن أثارت تصريحاته جدلا واسعا، وأعلن فيها استعداده للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فى حال وضع دستور جديد، وشُكلت لجنة قومية مستقلة ومحايدة لتنظيم الانتخابات، وتحت إشراف قضائى كامل وفى وجود رقابة دولية.
والمؤكد أن البرادعى العائد إلى القاهرة يحتاج إلى جهود كثيرة حتى يستطيع أن يساهم فى عملية الإصلاح السياسى المجمد منذ ثلاثين عاما، ويفتح طريق جديد أمام عملية جراحية صعبه يستلزمها البدء فى أى إصلاح، خاصة أن الرجل يمتلك مؤهلات تجعله قادراً على لعب دور سياسى فى المستقبل المنظور، إذا ابتعد عن المستنقع الذى سقط فيه كثير من السياسيين والحركات السياسية المصرية، وتحرك بطريقة جديدة تجعل منه «الحاضر الغائب» فى المشهد السياسى، وبديلاً يسعى إليه منصب رئيس الجمهورية لا أن يسعى هو إليه، لأنه فى حالة «السعى» بنفس طريقة الآخرين سيخسر الكثير، وسيتحول إلى رقم مضاف فى سلسلة الفشل السياسى لقوى وجماعات المعارضة المصرية.
ولعل السؤال الذى يجب أن يُطرح سيكون فى معرفة عناصر القوة التى يمتلكها محمد البرادعى وتجعله مؤهلا أكثر من غيره للعب دور كبير فى كسر معادلة الجمود المتمثلة فى رهن البلد لخيارين: التمديد للرئيس، والتوريث لنجله.
إن أول هذه العناصر (وعلى خلاف ما يرى البعض) يتمثل فى أنه قادم من خارج المستنقع السياسى المصرى، وحافظ بجدارة على وضعية «outsider» ولم تضطره الظروف إلى الوقوع فى خطايا الممارسة السياسية وفخاخها فى بلد غُيّب عنه القانون، وتُركت ساحاته السياسية وغير السياسية لفوضى وعشوائية غير مسبوقة.
لقد كرّس الحكم خيار «المسكنات هى الحل» بصورة جعلت من شخصية معتدلة مثل البرادعى حلا «جذريا» لمشكلات هذا الواقع الذى أصاب الحكام والمحكومين، وجعلهما غير مستعدين لدفع ثمن إصلاح جراحى حقيقى سيكون مؤلما لكليهما، ولكنه سيكون فيه شفافية ووضوح، لأنه سيطالب الحكومة باتخاذ سياسات بعضها «غير مرضى عنه شعبيا» ولا بديل عنه لإجراء إصلاح سياسى واقتصادى حقيقى، ولكن بشرط أن تكون هذه الحكومة منتخبة بشكل حر وديمقراطى، ولديها مصداقية وقبول من الشعب حتى يستطيع أن يقبل ما تطلبه من تضحيات.
ولأن الحكم غير راغب فى الإصلاح بدا المجتمع بدوره غير قادر على المطالبة به، وفشل فى أن يقدم احتجاجاً سياسياً واحداً مؤثراً من أجل قضية تتعلق بقيمة ديمقراطية أو أخلاقية عليا، كما يجرى فى إيران حين خرج عشرات الآلاف يحتجون على تزوير الانتخابات والدفاع عن السياسيين الإصلاحيين، فى حين اقتصرت الاحتجاجات المصرية على «العلاوة ياريس» والمطالبة بتحسين الأجور ورفع الرواتب.
إن عودة البرادعى تعنى فى الحقيقة محاولة إحياء لقيم غابت عن المجتمع المصرى، وتتمثل فى الإيمان بقيمة العمل والكفاءة والقانون والديمقراطية، وتتجاوز مسألة نجاحه فى إدارة مؤسسة دولية كبرى كوكالة الطاقة الذرية، وتعاطفه المؤكد مع قضايا العالمين العربى والإسلامى.
إن البرادعى لم يواجه طوال عمله الضغوط الأمريكية والهجوم الإسرائيلى بالهتاف والصريخ على طريقة بعض قوى المعارضة العربية، ولا بالخنوع على طريقة الحكومات العربية، إنما بالقانون وبقواعد القانون الدولى، وهى خبرة تحتاجها مصر فى ظل حالة الفوضى والعشوائية التى تعيشها، وفى ظل قوانين تُفصّل خصيصا لصالح مسؤول كبير أو صغير، وغياب كامل للمهنية وعشوائية فى السياسة كما فى الاقتصاد.
إن هذه الخبرة التى امتلكها لا تنسجم مطلقا مع الأسئلة التى قدمتها حركة كفاية المحتضرة إليه، حين طالبته بأن يحدد موقفه من كامب دافيد ومن أمريكا، وهى فى الحقيقة أسئلة كارثية لا تليق أن توجه لأى مواطن مصرى على طريقة توزيع صكوك الغفران والوطنية.
إن تعاطف قطاع واسع من النخبة المصرية معه يعود لكونه رجل اعتدال لن يلغى كامب دافيد ولن يعلن الحرب على إسرائيل، ولن يصرخ هنا ويحنجر هناك كما يفعل الكثيرون حتى أصبحوا عنصر دعم وراحة للنظام الحاكم، إنما هو لديه، مثل آخرين، رؤية لإصلاح الوطن ومواجهة الأمية والجهل والتخلف السياسى، وإذا نجح هو أو غيره فى هذه المهمة يمكن إدارة صراع سلمى مع إسرائيل من خلال النموذج المصرى الديمقراطى الذى ينجز على الأرض لا الذى يهتف فى السماء.
إن كارثة هذه الحركات التى تسأل على طريقة محاكم التفتيش، أنها انتهت عمليا من الوجود فى الشارع بعد أن كفّرت وخوّنت كثيراً من المحترمين فى هذا البلد، تماما مثل الحزب الحاكم وجماعات التكفير المندثرة.
إن الأوضاع السياسية الحالية أشبه بمن يلعب مباراة كرة قدم فى ملعب مكسر ومع حكم مرتش، وبدون مدرجات ولا جماهير، وبالتالى تصبح الخطوة الأولى والأساسية (البديهية) هى بناء الملعب أولا، ثم بعد ذلك نفكر فى النادى أو الفريق الذى سنشجعه أو ننحاز إليه، وعليه يصبح العراك السياسى والفكرى على قضايا الاشتراكية والرأسمالية، أو محاربة إسرائيل أو استمرار السلام، فى ظل دولة غائبة ومجتمع منهار هو نوعاً من العبث والجهل، فالمهم هو البدء بالإصلاح السياسى والاقتصادى، ثم بعد ذلك نفكر فى لون الفانلة التى سيرتديها كل منا.
إن هناك تيارات ولجاناً وهمية كثيرة هامشية من هذا النوع، يجب على البرادعى ألا يلتفت لها وينسى تماما أنها موجودة، وأن قوته فى أنه رجل يمتلك «بروفيل» تحتاجه مصر ويقول عنه الشباب الذى دعمه على مواقع الـ«فيس بوك» وداخل بعض الأحزاب والقوى السياسية إنه «رجل محترم»، وهذا يكفيه.
إن البرادعى فرصة تاريخية مهمة بشرط أن ينجح الشباب الذى لم تلوثه خبرة الدكاكين السياسية فى أن ينسج علاقة مباشرة معه، أما إذا نجح فى تحقيق «اختراق ما» داخل الدولة فتكون المعجزة قد تحققت ويمكن أن تعرف مصر نسيم عصر جديد.
إن مصر رغم كل قنابل التخريب المنظم التى تعرضت لها، وحملات التسطيح والتدين الشكلى واللوثة الكروية التى شوهتها، وثقافة الراقصات وأشباه الرجال التى حاصرتها، لاتزال فيها قلوب تنبض بالحرية والعدالة، ولايزال فيها من وضع يده على قيمة البرادعى وغيره بصرف النظر عن نجاحه فى معركة الرئاسة أم لا، رغم أنه لم يكن هناك شىء واحد يدل على أن هذا المجتمع قادر على أن يميز بين البرادعى وشعبان عبدالرحيم وتامر حسنى وعمرو خالد ومصطفى عبده وحسن شحاتة... ولكنه ميّز.
----

- د. عمرو الشوبكى
- صوت البرادعى (2012)"المصري اليوم"

 جاء قرار الدكتور محمد البرادعى بالانسحاب من سباق الرئاسة ليثير تساؤلات كثيرة، بعضها يتعلق بتوقيت الانسحاب، وبعضها الآخر بأسبابه، فالأول لأنه جاء قبل أيام من الاحتفال بمرور عام على ثورة 25 يناير، فبدا كأنه رسالة تحريض للشباب الثائر، أما الثانية فيجب النظر إليها من خلال مسار «البرادعى» منذ عودته فى فبراير 2010 وحتى إعلان انسحابه لنفهم أسباب ذلك القرار.

والمؤكد أن الدعم الذى ناله «البرادعى» من قطاع واسع من شباب الثورة وحركات التغيير الشبابية لم يحصل عليه معارض آخر، لأسباب بعضها يتعلق باللحظة التاريخية التى ظهر فيها الرجل، فقد جاء فى نهايات عهد مبارك بعد أن سئم الناس رؤيته على مدار 30 عاما، وظهر أيضا فى الوقت الذى اقترب فيه سيناريو التوريث من حيز التنفيذ تحت حجة «لا يوجد بديل»، ودعّم من قوته أنه جاء من خارج المشهد السياسى والحزبى، ورفض أن يدخل فيه ويصبح جزءاً من شرعيته فيؤسس حزبا يفجره أمن الدولة بعد أشهر أو يلفق له قضية تزوير توكيلات كما فعل مع غيره.

والحقيقة أن كثيراً من الأحزاب القانونية التى تحركت قبل ثورة 25 يناير ظلت محكومة بسياق سياسى فرض عليها أن تكون صراعاتها الحقيقية ضد بعضها البعض، وأن تكون خلافاتها أحيانا أكبر من خلافاتها مع النظام القديم، وأن تكون حساباتها الصغيرة هى الحاكمة لتحركاتها حتى غيبت مفاهيم المصلحة العامة وضاع منها هدف الإصلاح والتغيير.

وجاء «البرادعى» من خارج هذا المشهد «outsider» وبدا فى صورة المخلص الذى لم تضطره الظروف إلى الوقوع فى خطايا الممارسة السياسية وفخاخها فى بلد غيب عنه القانون، وتركت ساحاته السياسية وغير السياسية لفوضى وعشوائية غير مسبوقة، أفقدت الجماهير الثقة فى نخبتها الحزبية القائمة.

وظل «البرادعى»، رغم الهجوم الكاسح الذى تعرض له وحملات التشويه التى نالها، رافضا بصلابة أن يصبح جزءا من لعبه النظام القديم، ورفض تأسيس حزب سياسى لكى يترشح فى انتخابات الرئاسة، أو يدخل حزباً قائماً كـ«الوفد» أو غيره، وظل يناضل من خارج النظام ومؤسساته المتهالكة وأسس الجمعية الوطنية للتغيير وألهم كثيراً من الشباب حتى قامت ثورة 25 يناير التى كان له فضل كبير فى اندلاعها.

وظل الرجل بعد الثورة مدافعا عن مسار لم ير النور طوال المرحلة الانتقالية، فأصر على الدستور أولا، ولكن المجلس العسكرى اختار الإعلان الدستورى أولا مُسقطا دستور 71 «على عكس نتيجة الاستفتاء» ورافضا فى الوقت نفسه كتابة الدستور قبل إجراء أى استفتاء أو انتخابات.

وبقى «البرادعى» طوال هذا العام ناصحا أحيانا ومحرضا أحياناً أخرى، وفى كلتا الحالتين لم يلتفت أحد لنصائحه ولا لتحريضه، وبقى مجرد صوت يغرد خارج السرب.

إعلان «البرادعى» الانسحاب من سباق الرئاسة لا يجب التعامل معه بخفة، فالرجل يكرر رسالته التى سبق أن أعلنها منذ عامين حين قاطع النظام القديم بمؤسساته وأحزابه، وتعامل معه رأس النظام باستخفاف، وثبت أنه كان على حق وسقط النظام بعدها بأشهر، والآن يكرر صرخته مرة أخرى ويعلن أن المسار الذى نسير فيه خطأ وأنه لن يقبل أن يكون جزءا منه، تماما مثلما فعل العام الماضى، فهل نعى الدرس ونعالج أوجه القصور الجسيمة فى التجربة الانتقالية قبل أن ينهار المعبد على رؤوس الجميع.

----
- عمر طاهر

- لف وارجع تانى (2010) "الدستور" 

يمكن تلخيص بيان البرادعى وموقفه الأخير فى هذه الجملة.. لكن مَن المقصود بها؟
هل يستطيع الشعب أن يلف ويرجع تانى وهو الراضى بقليله ويؤمن أن الثورة (اتعشّت كده خلاص) ولا يوجد داعٍ لأى نضال ثورى ودعونا نعطى الفرص لاختيار الشعب؟ أليست هذه هى الديمقراطية يا ثوار؟، الشعب الذى تعايرك أغلبيته بالديمقراطية التى تحلم بها هل يستطيع أن يلف ويرجع تانى؟
الأحزاب التى قامت على أساس دينى فى ظل إعلان دستورى يمنع قيام أى أحزاب على هذا الأساس، هل سترضى أن تلف وترجع تانى؟ بعد أن أصبحت مقاليد الحكم تحت السيطرة (تقريبا) وأحكموا قبضتهم على مصير البلاد فى الفترة القادمة، هل سيعترفون بأن ما بُنى على باطل فهو باطل، وأنهم خالفوا قاعدة دستورية بشكل سافر تهدم العملية من أساسها؟
المجلس العسكرى الذى قاد البلاد دون تفويض شعبى، وبذل كل الجهد الملتف غير المشروع (تقريبا) للحصول على شرعية شعبية بالتخويف والترهيب وبث الشائعات، وكان كل همه أن يؤكد وجوده ويؤمِّن مستقبله، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة الصف السياسى ووضوح الرؤية فى ما يتعلق بالمستقبل، المجلس الذى هَرانا اختراعات لم ينجح منها اختراع واحد من أول الاستفتاء، مرورا بالوثيقة، نهاية بسارية العَلَم المحلق فى سماء العاصمة، المجلس الذى يحتمى فى كيان الجيش احتماء صاحب محلات «التوحيد والنور» فى الإسلام، ويجرّم الحديث عن خروج آمن، ويجز على أسنانه وهو يقول إنه فوق المساءلة، المجلس الذى لم ولن نعرف يوما (هو عايز إيه بالضبط)، هل سيلف ويرجع تانى ويبدأ من الأول فيعترف بالثورة كما ينبغى للثورات أن تكون، لا على فلسفته هو الشخصية للثورة القائمة على فكرة (الصلح خير قوم نتصالح)؟
الناس الذين تتم محاكمتهم جنائيا على قتل المتظاهرين فى شكل مسرحى مبهر سيقود إلى البراءة بلا شك، لأنك تحاكمهم وكأنهم متهمون فى قضية شيكات تنشغل خلالها بالبحث عن صحة توقيع وتتغافل عن جرائم ثلاثين عاما مضت، هل سيرضى واحد من قادة البلاد أن يلفوا بيهم ويرجعوا تانى فيحاكموهم محاكمة ثورية على العقول والضمائر التى قتلوها والبلد الذى ضاع على أياديهم؟ وهو ما يسهل إثباته أكثر من إثبات إصدارهم أمرا بقتل الأبرياء.
الضحايا على مستويات عدة تبدأ بفقدان البصر ولا تنتهى بحرق الكرامة، هل سنقدر على إقناعهم بأن يلفوا ويرجعوا تانى ويعودوا للنضال على أن لا يتعرض لهم أحد بسوء فى المرة القادمة؟
المطبلاتية الذى يقومون بمجهود انتحارى لغسل وجه المجلس طول الوقت ويعلمون أنهم يسيرون فى سكة دون رجعة، ويحاربون ببسالة حتى لا تعود الثورة، لأنها إذا عادت ستضعهم على رأس قائمة سوداء لن ينعم واحد منها بالراحة حيًّا أو فى كتب التاريخ، هؤلاء المطبلاتية هل سيقدر واحد منهم أن يلف ويرجع تانى فيُحكّم ضميره فى تقييم الأمور وينحاز إلى الحق قبل أن ينحاز إلى الميرى بالفطرة؟
كل من كسب سنتيمترا واحدا خلال العام الماضى فى ظل صفقة أو شو إعلامى أو تجريح فى الآخرين أو بالركوب على الثورة، هل سيقدر واحد منهم على أن يلف ويرجع تانى ويتنازل عمّا كسبه فى غفلة من الزمن ليبدأ من جديد على نظافة؟
طبعا ولا واحد من السابق ذكرهم سيستجيب لدعوة البرادعى، ليصبح الحمل أكثر ثقلا على أهل الثورة فهم وحدهم الذين ما زالوا عطشى للتغيير الحقيقى، لا تغيير المنجِّدين الذى تقوم به الأغلبية (تغيير المنجِّدين مستوحَى من سمير غانم فى مسرحية «المتزوجون» عندما قال لزوجته: وهو المنجِّد بيعمل إيه يعنى؟ بيجيب القطن من هِنا لهِنا، طب أهوه.. ثم أزاح القطن بقدمه من ناحية إلى الأخرى).
بيان البرادعى فى ظاهره نبل محبَط لكن فى باطنه كلمة حق ملهِمة.. بيان البرادعى نسخة من البرادعى نفسه.

----
- د.عز الدين شكرى فشير هوّ فاكر نفسه مين؟(2010)"المصري اليوم"

استوقفنى رد فعل البعض ممن هاجموا البرادعى لترشحه للرئاسة ثم هاجموه لعدوله عن الترشح. توقعت أن يسعدوا بالقرار، ويقولوا «أراحنا الرجل منه»، أو حتى أن يشتموه ويقولوا إن الرجل قد فشل ويدارى فشله. كل ذلك متوقَّع من أناس لا يريدون أن يروه رئيسا. لكن الغريب أنهم كالوا له الاتهامات بسبب عدم ترشحه؛ من قبيل أنه ينقلب على الديمقراطية، أو يتعالى على العملية السياسية، أو أنه يريد أن يستمر فى توجيه الرأى العام دون تحمل مسؤولية تنفيذية، أو أنه يريد أن يعيد نفسه إلى دائرة الضوء.
لم يستوقفنى مضمون هذه الانتقادات، فهى بيِّنة التفاهة. لكن ما استوقفنى هو المنطق الذى تستند إليه. حين أعلن البرادعى رغبته الانخراط فى العمل السياسى قبل الثورة قامت الجوقة الرسمية بالردح له وإثارة الكراهية ضده والتحريض عليه، وهذا مفهوم، وإلا فما وظيفة الجوقة إن لم تدافع عن سيدها. لكن لماذا يردح البعض له الآن حين يترك لهم منصب الرئاسة ليعيثوا به فسادا كما شاؤوا؟ سترد سيادتك بأنهم يخافون من أثر موقفه على الناس وما يكشفه هذا الموقف من عبثية العملية الانتقالية. ممكن. لكن هل من المعقول أن يكون كل كارهى البرادعى منافقين ومأجورين وأصحاب مصلحة من أعضاء الجوقة الرسمية؟ لا أظن. فلا بد أن من بينهم من يكره البرادعى فعلا وبإخلاص، وهؤلاء هم من يثيرون الاهتمام.
من أين تأتى هذه الكراهية لشخص يقولون هم أنفسهم إنهم لا يعرفونه وإنه لا يعرفهم؟ ما المُضغة السوداء التى تفرز هذه الكراهية؟ أفهم الاختلاف فى الرأى، وفى المصلحة، وفى العقيدة السياسية والتوجهات، وأفهم عدم الثقة والحذر. وأفهم أن يحدد الناس مواقفهم بناء على هذه الاختلافات. لكن أن تكره رجلا لدرجة أن ترفض كل فكرة يطرحها وترى خلفها نية سوداء، فإن دعاك للوقوف ظننت أنه يريد أخذ مقعدك، وإن دعاك للجلوس قلت إنه يريد أخذ مكانك، وإن دعاك للصلاة قلت إنه يريد سرقة حذائك، وإن دعاك للاطمئنان قلت إنه يريد تنويمك، وإن دعاك للحذر قلت إنه يريد تشتيتك، فهذا يعنى أمرا واحدا هو أن لديك مشكلة أكبر وأعمق من هذا الرجل. ما هذه المشكلة؟ هل هو الخوف المتأصل فى نفوس البعض والذى يجعلهم يرون أعداء فى كل الناس؟ لكن لماذا نقصر كراهيتنا العميقة تلك على الآتين من خارج السلطة؟ لماذا لا نكره حكامنا بنفس هذه الطريقة؟ هو إذن أمر يتعلق بالسلطة نفسها، أو بالأدق بتحدى السلطة.
مرة أخرى، لا أتحدث عمن يهاجمون البرادعى لتعارض ما يمثله مع مصلحتهم وارتباطهم بالنظام السابق، فموقفهم مفهوم وعقلانى. لكنى أتحدث عمّن تحركهم كراهية حقيقية للرجل تجعلهم يصبّون غضبهم عليه سواء قرأ آيات من الذكر الحكيم أو قال ريّان يا فجل. هؤلاء الناس يكرهون من يتحدى السلطة القائمة. لماذا؟ لأنهم يخافون هذه السلطة، أيا كانت، وترسَّخ خوفهم وتحوَّل إلى حالة من الاستكانة القدرية. رتّب هؤلاء الناس حياتهم ورتّبوا أمانهم النفسى على وجود هذه السلطة واعتنائها بشؤونهم -يسعون لزيادة هذا الاعتناء وتحسينه بالاقتراب منها أو مناشدتها. لكن فى كل الأحوال صارت هذه السلطة مصدر الأمان ومصدر العناية. فإن أتى مَن يتحدى هذه السلطة هزّ عرش هذا الأمان وأشعرهم بأن استسلامهم واستكانتهم ليست قدرية، وأنهم ضعفاء وجبناء وأنصاف بشر، وهو شعور لو تعلمون مؤلم للنخاع. من الطبيعى إذن أن ينتفض هؤلاء الناس هجوما على ذلك المتحدى للسلطة القدرية، سواء جاء من فيينا أو من كفر البطيخ. ومن هنا يأتى سؤالهم «هوّ فاكر نفسه مين؟» هذا السؤال ترجمته غير المكتوبة هى «ادخل فى الصف معنا وكن مثل الناس. ارض بما رضينا به واقعد ساكتا». لكن الرجل لا يدخل فى الصف ولا يسكت، وهو ما يثير غضبهم الممزوج بالكراهية العميقة «هوّ فاكر نفسه مين؟».
الموضوع ليس كراهية البرادعى يا سادة، الموضوع هو إدمان الاستبداد، كراهية من يدعو للحرية والمساواة، واستمراء الذل والمسكنة.
 

----

- أيمن نور
رؤساء جمهورية الضمير (2012)"اليوم السابع"

ما أشبه العباسية فى مصر بالسينما.. فيها من الكوميديا والدراما، فيها شكوكو، ميكى ماوس، محمود مرسى، عبدالله غيث، وكرم مطاوع.

عرفت فى حياتى السياسية عمالقة لكنهم أقزام، وأقزام كالعمالقة، عرفت أقواماً طوالاً عراضاً من خارجهم، صغاراً متضائلين فى وزن ضمائرهم، آلهتهم هى المقاعد، وأصنامهم مناصب، وحياتهم قفز، نفاق، وكذب!!
الفيل يتحول فى عينى إلى «برغوث» عندما أجلس معه، فيقول إنه لا يوافق على كذا، ويستنكر كذا، ويهاجم كذا، فإذا دُعِىَ لاجتماع رسمى، كان من أشد الموافقين، وكان أعلى الناس فى صيحـــــة «آمين»!!

يسجد لكل صنم، ويدخل فى كل دين!!
وعرفت فى حياتى عَمَالِقة حقيقيين، أصحاب ضمائر حرة ومواقف كبيرة، كل منهم يستحق أن يكون رئيساً لجمهورية الضمير.
أولهم: أستاذى بالجامعة الدكتور الشافعى بشير أستاذ القانون الدولى بجامعة المنصورة، وهو من تعلمت من ثباته الثبات، ومن صبره الصبر، ومن شجاعته بآداب أخلاق الشجعان!! إنه ضمير فى صورة إنسان!!

ثانيهم: الطبيب العالمى الدكتور محمد غنيم، الرجل الذى تجسد فيه الضمير الوطنى والمهنى والعلمى، فعاش حياته راهباً من أجل الوطن، العلم والناس، ولم يسع للحظة لجاه أو مال أو سلطان، وظل شامخاً، فارقاً بين الحق والباطل، صوتاً لا يعرف المجاملة أو المواربة، لا يُباع ولا يُشترى.

ثالثهم: الفارس النبيل الدكتور محمد البرادعى.
عاد الدكتور البرادعى لمصر فى فبراير 2010 وسط زخم كبير من الآمال والطموحات فى مُخلص «جديد»، هبط من السماء، كان الرجل من البداية للنهاية صادماً بواقعيته وعقلانيته، جعلته يتقدم ثم يتأخر، يُقدم يوماً ويحجم أياماً، مما حمل العديد من أنصاره وخصومه على انتقاده واتهامه بالتراجع وعدم الإقدام.

الإنجليز يسمون معاركهم الحربية «التراجع من أجل التقدم والانتصار» والبرادعى عندما قال للناس إنه لن ينزل الشارع إلا بعد نزول مليون متظاهر لم يكن واهماً، بل كان محرضاً على أن يكون الشعب هو صاحب الفعل، هو القائد والزعيم، هو الصوت والصدى.. ما كان البعض يراه ويتصوره تراجعا من أجل الانتصار.

ومنذ ساعات أعلن البرادعى تراجعه عن خوض معركة الانتخابات الرئاسية، لكنه – مرة أخرى – تراجع من أجل الانتصار، صرخة عالية الصوت، بحجم الألم الذى نشعر به جميعاً به، فجاءة ثورة تعود للخلف، بفعل قوى الماضى، التى تحكم الحاضر وتسعى لتأميم المستقبل!!
خروج البرادعى هو دخول لأصل المشكلة، وهى حكم العسكر ومنطقه ومنهجه ومسافاته غير المتساوية وتوحمه على من يقضى له حاجاته، ويلبى شهوته، وتوحمه على الحكم عبر الوسيط.

كان خروج البرادعى بمثابة صدمة إيجابية للرأى العام، ولطمة قوية لسياسات العسكر وتشويههم للجميع، وقبلة حياة حقيقية لثورة فتية مازالت تحتاج لمن يلهمها أكثر مما يقودها.

بخروج الدكتور البرادعى، الذى سيلحق به البعض – قريبا – يرحل الجزء المعافى والشجاع والفاعل والمتحرك، ويبقى الجزء المريض والمشلول، لكن رحيل البرادعى هو رحيل للمستقبل، هو علاج وليس شهادة وفاة.

بخروج البرادعى ومن سيلحق به – قريباً – يذهب الذين صنعوا الحلم من العدم ويبقى الذين لا يحلمون بشىء.. ولا يفكرون بشئ.. سوى الحكم.

يذهب أصحاب الرؤية والبصيرة القاتلون.. ويبقى الهاربون من الجندية.
يذهب الذين يعانقون بنادقهم ويبقى الذين يعانقون المجلس العسكرى.
يذهب التاريخيون.. المرشحون المحتملون لرئاسة جمهورية «الضمير» ويبقى المحتملون لرئاسة جمهورية المشير!


----
 - خالد السرجاني
- البرادعى.. ضميرنا(2012)"المصري اليوم"

فى أعقاب نجاح ثورة 25 يناير، كتب الأديب محمد المخزنجى مقالاً عن لقاء عقده الدكتور محمد البرادعى فى بيته وحضره عدد من أهل الفكر والثقافة والسياسة، للتداول حول ترشيح نفسه فى الانتخابات، وقال إن البرادعى كان يرى أن نجاح الثورة وخروج مصر من الاستبداد يعتبر نجاحا له، وقال «المخزنجى» إن الأغلبية كانت ترى ضرورة ترشح البرادعى من أجل تنفيذ برنامج الثورة، وللحفاظ عليها، فى الوقت الذى كانت فيه هناك أقلية - كان «المخزنجى» نفسه منها - رأت أن الدكتور البرادعى أصبح ضميرا للوطن، وأنه أكبر من رئيس جمهورية، ودخوله إلى لعبة السياسة بمناوراتها ولا أخلاقياتها، لن يكون فى صالحه، وقال إن الأمم أحيانا تحتاج الى ضمير، ومرجعية أخلاقية يمكن أن يمثلها الدكتور البرادعى، بما له من ثقافة وتجارب وشعبية.

إزاء هذا الكلام، الذى أتفق معه جملة وتفصيلاً، كنت أستخسر على مصر ألا تستفيد من الدكتور البرادعى فى منصب رسمى، يفيدها ولا يفيده، وكنت - ومازلت - أعتقد أن رئاسة الدكتور البرادعى لمصر فى هذه المرحلة هى الكفيل بوضعها على طريق الديمقراطية الحقيقية، والتقدم والحداثة، لكننى كنت أشفق عليه من النخبة الهشة غير الكفئة، التى سيعمل معها أو ينافسها، وهو أمر لا تقدر عليه شخصية مثل الدكتور البرادعى، لأنه يحكم ضميره قبل كل خطوة، وهذا ما تفتقده السياسة ليس فى مصر فحسب، لكن فى كل أنحاء العالم باستثناءات ضئيلة.

كان الدكتور البرادعى يمكن أن يسير على مبدأ ميكافيلى، الذى يقول إن الغاية تبرر الوسيلة، ويعقد صفقة مع المجلس العسكرى على حساب الثورة وشبابها، كما فعلت تيارات سياسية لن أسميها، ولو كان يسعى إلى المنصب فقط، كما يسعى آخرون، لأصبح ألعوبة فى يد لواءات العسكر، لكنه استمع إلى صوت ضميره، وقرر أن ينحاز إلى الشعب والثورة والديمقراطية، الأمر الذى زاد من تقدير الناس له، وإن كانوا قد أحبطوا من المشهد كاملاً، لأنه لا ينبئ بديمقراطية حقيقية وإنما شكلية، يسيطر عليها المجلس العسكرى، الذى سيأتى بألعوبة يطلق عليها اسم رئيس الجمهورية، وللأسف، فإن كثيرين لديهم استعداد للعب هذا الدور فى المسرحية الهزلية التى نشاهدها حالياً.

وأعتقد أن الدكتور محمد البرادعى، بانسحابه من مسرحية انتخابات الرئاسة المقبلة، التى يُفصِّل لها المجلس الاستشارى قانوناً انتخابياً يسهل من تزويرها، من أجل انتخاب مرشح المجلس العسكرى، الذى سيقوم الإخوان المسلمون بتسويقه لنا، من دون أى وازع أخلاقى فى عملية سرقة مدبرة للثورة - أصبح ضميراً لنا - نحن الباحثين عن مستقبل أفضل لمصر - وعن ديمقراطية حقيقية، وليست شكلية، وعن انضمام مصر لركب الحداثة، وأهم من كل ذلك نحن الحالمين بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية، الذين لا نرى فى السياسة فن الممكن، وإنما أن نحقق أهدافنا ونقاتل من أجلها.

إن نيلسون مانديلا هو ضمير جنوب أفريقيا، على الرغم من أنه لم يعد رئيساً لها، وكل العالم يعرفه، وأشك أن كثيرين يعرفون اسم الرئيس الحالى لها، وغاندى، الذى لم يتول منصب رئيس وزراء الهند أبداً، هو ضمير الهند ورمزها إلى الآن.. لماذا؟

لأن الاثنين كانا ضمير الأمة ومرجعيتها الأخلاقية فى لحظات تاريخية فارقة، مثلما هو الأمر عليه الآن بالنسبة للدكتور البرادعى، الذى كان له دور رئيسى فى لحظة فارقة من تاريخ مصر، وأصبحنا نؤرخ بمرحلة ما قبل دخول الدكتور البرادعى إلى الساحة السياسية وما بعدها، وكل أمة تحتاج فى فترة من تاريخها إلى مرجعية أخلاقية، تكون لها بمثابة الضمير، فى مواجهة ألاعيب السياسة ومناورات السياسيين، والدكتور محمد البرادعى أفضل من يتولى هذا الدور فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر.

لقد عبر معظم منافسى الدكتور البرادعى من ذوى القاعدة الشعبية عن خيبة أملهم بانسحابه من السباق، لأنهم يدركون أن خروجه من السباق ينزع الشرعية عن العملية الانتخابية المتوقعة، وقال آخرون إنه اختار أن يكون فى المعارضة، لكنى أختلف مع هذا الطرح، فهو اختار، من دون أن يتعمد، أن يكون ضميرنا، ومرجعيتنا الأخلاقية فأهلاً به.
----
- محمد المخزنجي
- عودة للضمير (2012) "الشروق" المصرية

فى شروق الخميس 3 مارس 2011 الماضى كتبت مقالا عنوانه «زيارة للضمير» قلت فيه:

«نهار الاثنين الماضى تلقيت ضمن مجموعة صغيرة دعوة للقاء مع الدكتور محمد البرادعى فى بيته، وعلى غير عادتى النافرة مما أتصور أنها لقاءات «مَكْلَمة»، وجدتنى أرحب بالدعوة، خاصة وقد عرفت الأسماء الطيبة للعدد القليل من المدعوين والمدعوات لهذا اللقاء، والذى عرفت أنه مجرد مناسبة لتبادل الأفكار، بلا تلميع صحفى ولا وميض تليفزيونى.

لم أُعِدُّ فى رأسى ما يمكن أن أطرحه فى هذا اللقاء، ولا خطر لى أن لدىَّ شيئا أقوله، فالهدف الذى أضاء داخلى عندما تلقيت الدعوة، هو تأمل هذا الرجل، واختبار إحساسى بظاهرته التى وصفتها منذ ظهوره فى حياتنا السياسية بأنها « شجاعة الوداعة»، فالرجل الهادئ، الذى يتلعثم قليلا ولا يكاد صوته يرتفع، إنما يشع بجسارة لا يتمتع بها مشاهير الرفض الحنجورى، وهو برغم هدوئه وصوته الخفيض، لم يعبأ منذ اللحظة الأولى بالمحاذير التى يناور حولها كثيرون من نجوم المعارضة، بل طرح بطمأنينة قلب سليم ما كان كفيلا بتعريضه للاغتيال أو السجن أو التضييق أو تلفيق الفضائح الكاذبة، وقد بدأوا معه من آخر هذه القائمة لعله ينكسر أو يرتدع، لكنه واصل بطمأنينته وهدوئه السير فى طريق رفضه لنظام حسنى مبارك، بادئا من رأس هرم الاستبداد والفساد، وقدَّم رؤية مُركَّزة لمصر ديمقراطية وعادلة ومستنيرة ومتحضرة. صحيح أنه لم يكن مُناضلا ميدانيا، وصحيح أنه لم يرابط طويلا على الأرض التى يطمح لتغيير صورتها إلى الأجمل، لكنه لم يتراجع لحظة فى طرحه. قدَّم رؤى عملية للتغيير بدت رومانسية وغير ذات جدوى، كجمع مليون توقيع على المبادئ السبعة للجمعية الوطنية للتغيير، وبشَّر بأن نزول مليون مصرى إلى الشارع كفيل بإسقاط النظام، وبدا ذلك للكثيرين حينها، وأنا منهم، محض نضال نخبوى بعبق أوروبى، لكن الواقع الذى تجلَّى فى انتفاضة الشباب التى تحولت إلى ثورة شعبية جامعة، جاء تصديقا لصفاء رؤية الرجل الهادئ المطمئن، والتى التقطَتْ صدقها خيرة القلوب الكبيرة كما القلوب الغضة السليمة لأنقى رجال وشباب مصر على اختلاف أطيافهم، فرسَّمت البرادعى أملا، وغنت أصواتُ فَتية باسمه عنوانا للتغيير.

فى الحديقة الصغيرة اللطيفة لبيت الرجل صنعت مقاعدنا التى لم تزد على عشرة دائرة ود، كان الرجل نقطة على قوسها لا نجما فوقها، ولاحظت أن سيدة البيت تسلك سلوكا يشبهنا، يشبه ما عهدنا أمهاتنا وأخواتنا فى البيوت المصرية كريمة الأصل يفعلنه عند استقبال الضيوف، فبعد أن رحبت بقدومنا بجوار زوجها وقدمت واجب الضيافة، انسحبت مُقدِّرة بتواضع صادق أن مكانها هو موقع الرعاية لا الوصاية تجاه زوجها الذى تحترمه وتحترم ضيوفه، وقد فعلت ذلك بهدوء مطمئن كما زوجها، وشجاعة ووداعة تماثل شجاعته، برغم أن هذا البيت، بيتها، كان عرضة لمخاطر مخيفة قبل سقوط الطاغوت، ولم تزل ظلال المخاطر ماثلة ما دام للطاغوت فلول وذيول.

كنت أتأمل من حولى البشر والشجر وأنا أصغى للمتحدثين دون تأهب للمشاركة، لكننى بدأت استنفر عندما سمعت إلحاحا من بعض الحاضرين والحاضرات على وجوب أن يعلن الرجل عن نيته الترشُّح للرئاسة، أسوة بمن تسابقوا فى إعلان ذلك أو ناوروا فى الإيحاء به، بحجة أن ذلك يزكى مشاعر الشباب ويبدأ فى شق طريق العمل فى هذا الاتجاه، عندئذ شعرت بالفزع برغم وثوقى فى صدق وبراءة هذه الدعوة، ووجدتنى أتكلم.

رجوت الدكتور البرادعى ألا يستجيب لهذه الدعوة الكريمة الآن على أى نحو، وبررت ذلك بأن إعلانه عن نيته الترشح للرئاسة التى أوضح من قبل أنها ليست هدفه، وكان صادقا فى ذلك ولايزال، ستجعله يصطف فى طابور المتسابقين على المغانم، وهو أبعد ما يكون عن معظمهم، لأن له مكانا آخر أثبت جدارته فى شغله، كونه نقيضا واضحا للنظام الذى جاهر بضرورة تغييره. فالنظام الساقط لو أردنا له توصيفا جامعا لوجدنا أنه كان نظام غياب الضمير وانعدام الأخلاق، بدليل كل ممارساته الفاسدة من نهب وسلب لمقدرات الأمة وبلطجة قامعة لأبنائها وتزوير لإرادتها وتعطيل للقانون وتشويه للتشريع وتسييد للسفلة، هذه كلها كانت ممارسات إجرامية لتشكيل عِصابى باتساع الوطن، أفراده من السيكوباتيين الذين تجمعهم خصال السيكوباتية الواضحة من كذب ومراوغة وعدوانية وسرقة وعمى بصيرة فادح وفاضح. وفى مواجهة نظام شديد البشاعة على هذا النحو، يكون التغيير واضح المعالم، ويتلخص فى إقامة نظام جديد قوامه رفعة التسامى وسمو الضمير، وصلابة السويَّة فى القائمين عليه.

قلت إننى لطالما تمنيت أن يكون فى سُدة الحكم رجال كالدكتور البرادعى أو الدكتور محمد غنيم أو غيرهم من المصريين الأفاضل ذوى المصداقية الواضحة والصلابة الأخلاقية والإيمان برفعة القانون وبهاء العدالة والعدل. أناس هم طلاب حق لا سُلطة، إلا لو دعاهم إليها داعى أداء الواجب، كونها تكليفا لا تشريفا، ومغرما يستحق التضحية لا مغنما يدعو إلى المزاحمة. باختصار نحن فى هذه المرحلة المتوترة والمضطربة أشد ما نكون حاجة للرجال الضمائر، والدكتور البرادعى نموذج لهم، وينبغى الآن أن يظل كذلك، لهذا رجوته ألا يستجيب لدعوة الداعين إلى إعلانه نيته الترشح للرئاسة».

لقد مرت على ذلك المقال ثمانية أشهر، جرت فى النهر خلالها مياه كثيرة حتى لم يعد النهر هو نفسه، وكانت مياها فى أحيان كثيرة ملوثة بالكذب السياسى والروحى ودم الشباب الذين اغتيلوا غيلة أو أُصيبوا بحقد أو سُفحت مياه عيونهم عن قصد أو تم سحلهم بفظاظة مشينة، ثم جرت انتخابات خرج لها قرابة ثلاثين مليون إنسان فى ظاهرة تاريخية ملفتة وتستحق كل التقدير والاحترام، وإن كانت هذه الانتخابات نفسها قد تحولت بهمجية البعض إلى مباراة طائفية فى كثير من جوانبها، وبمواكبة ذلك جرت حملة تشويه متعمد لكثيرين من شباب الثورة وبعض رموزها ومنهم الدكتور البرادعى الذى فُتحت عليه أبواق هابطة بعضها لدعاة أفظاظ لم يكتفوا بالتشكيك فى عقيدته بل تمادوا فى الإساءة إلى أسرته بكذب اضطروا للتراجع عنه عندما انكشف زيف أكاذيبهم. ولم يخل الأمر من محاولة قتل الرجل ماديا إضافة لقتله معنويا فى واقعة الاعتداء عليه من قِبل سفلة مأجورين فى لجنة الاستفتاء على التعديلات الدستورية المشئومة فى المقطم.

لن أزيد على ما قلته منذ ما يقارب العام إلا أننى سعيد بالقرار الشجاع والذكى الذى اتخذه الدكتور البرادعى، فلابد أن يكون هناك ضمير ينشد المثال، ولا يقبل على نفسه أنصاف وأشباه وأشباح الحلول، أما القول بأنه يتخلى عن النضال على الأرض، فهذا كلام مردود عليه، لأن خطوته تلك تدعيم لتسامى النضال على الأرض، بل إن خطوته تلك هى خطوة ملهمة، ودليل على أن هذا الرجل الضمير صاحب رؤية ثاقبة وبصيرة سياسية نادرة، ونحن فى أشد الحاجة لمثلها فى موجة ثانية لثورة ممتدة تزيل ماران على الأذهان من تشوش، لأجل مصر الناهضة، دولة المواطنة والقانون والتعددية وتداول السلطة والكرامة والعدل الاجتماعى والوسطية والاعتدال الحميدين فى الدين والدنيا.

أما المفارقة فى استرجاعى لذلك المقال، فهى اكتشافى أننى ذيلته حينها بعدة «رسائل موجزة» للضمير المصرى الجمعى، كان أولها رسالة تحذر من: «التسرع الذى يدفعنا إليه مسوقو المشروع النووى بالرغم من أن الدلائل تتزايد على ضرورة إعادة النظر فى مخاطره وجدواه مقارنة بوسائل آمنة ومستديمة للحصول على الطاقة!» فما أقرب الليلة بالبارحة، ففى صحف صباح الأحد الماضى التى حملت نبأ قرار الدكتور البرادعى بالانسحاب من سباق الرئاسة وردود الأفعال عليه، وجدت الأخبار تتجدد حول المشروع النووى نفسه بعد احتلال الأهالى لأرض الضبعة التى كانوا يسكنونها ويعمرونها ويزرعونها قبل أن يتم تهجيرهم منها قسرا، وهى مسألة لا أُدلى فيها الآن بقول لعدم معرفة ملابساتها، أما الذى أُبدى فيه أشد الاستغراب، فهو تصريح «المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء والطاقة أكثم أبو العلا الذى قال إن تنفيذ مشروع المحطة النووية الأولى فى موقع الضبعة سيحول مدينة الضبعة إلى مدينة عالمية من خلال معرض نووى ومركز تدريب عالمى ومركز للمعلومات وسيصاحب ذلك بناء مستشفيات ومدارس على أعلى مستوى، وأن مواصفات المحطة النووية فى الضبعة، تشترط أقصى درجات الأمان النووى، وأنها ستُبنى من خلال مناقصة عالمية مفتوحة تتنافس فيها جميع الشركات الموردة للتكنولوجيا النووية»!.

الكلام القديم نفسه والأسلوب نفسه فى مسألة تتطلب عدم احتكار الرأى إطلاقا لما تنطوى عليه من حساسية وخطر، وكأن «المشروع» تم اعتماده وينتظر الاستيراد والتركيب. هذا أسلوب ينبغى أن يتوقف، فى مسألة خطيرة كالمفاعلات النووية، التى لا ينبغى أن يحتكر الرأى فيها «النوويون» وحدهم، فالجولوجيون لهم رأى، وعلماء المناخ والبيئة والصحة والاقتصاد لابد أن يكون لهم فى ذلك رأى، كما أن الناس كل الناس ينبغى أن يكون لهم فى ذلك رأى ولو من خلال البرلمان المُنتخَب القادم، وفى ضوء تنوير علمى يقارن مثل هذه المشاريع بالبدائل الآمنة فى مضمار الطاقات المتجددة التى لدينا من مواردها الكثير كطاقة الشمس والرياح، بل فى ضوء بدائل نووية مخاطرها ليست كارثية يسعى إليها العالم المتقدم الآن بينما يغرينا بغيرها، وهذا ما لم يذكره واحد من النوويين لدينا، وسأكتب عنه فيما انتويته من توجُّه ثقافى ضمن متطلبات «ثورة ثانية» نهضوية وتنموية ستكون الامتحان الأهم لكل الأطراف، وهى ثورة ممتدة لا يمكن أن تكون فى يوم واحد حتى لو كان يوم 25 يناير القادم الذى سيتشوه إذا تحول إلى مناسبة للاحتفال الكاذب أو الاعتصام أو الصدام المذمومين، لأنه ينبغى أن يكون يوما سلميا حضاريا لمراجعة وإيقاظ الذواكر والضمائر، تأهبا لمواجهة أنواء وأعباء المستقبل.
 

----

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق